
جميل أن تتناغم وتتسق أفكارنا مع هويتنا، وانتماءاتنا بدءا من الانتماء الإنساني إلى الانتماء إلى مفردات الهوية، والأجمل من ذلك أن نكون حروف تامة كاملة معبرة في مكانها وموقعها اللائق بها على السطور؛ وعلى دراية بواقعنا صادقين مخلصين وفاعلين ناضجين ناهضين على مساطر الإرتقاء بأوطاننا ومجتمعاتنا ومحيطنا وعالمنا الإنساني الرحب، وأجمل ما في الوجود أن نعيش أحراراً في دنيانا وعبيداً مخلصين لله كما خلقنا الباري العزيز الكريم، وإن لم يكن لنا دين وكنا لا نخاف الميعاد فلنكن أحراراً في دنيانا، والحر مُترفعٌ لا يستعبد الناس ولا يضطهدهم ولا يمس بكرامتهم ولا معتقداتهم ولا خصوصياتهم ولا أرزاقهم، والحر لا يقبل بالعبودية والمساس بإنسانيته وحقوقه.
نكبات وكوارث ومحن تحل بنا من هنا وهنا وبهذا السبب وبغيره، وآفات اجتماعية من الماضي لا زالت لصيقة بنا في حاضرنا ومُهلكةً لنا ومُهددةً لسلمنا الاجتماعي وهدامة للمجتمع والدين، لا زالت كالأغلال في أعناق الجميع في عنق الجاني والمجني عليه، لا يكترث لها البعض ربما لا تعنيه والآخر ينمو على وجودها ويزدهر غير آبهٍ بآلام الآخرين وتعريض سلامة وأمن الوطن للمخاطر، والآخر يقول ما شأنه بها فهو لم يؤسس لها، وفي (ايرا) والوطنيين؛ والوطنيين الفاعلين في القوى الحرة يقولون إنها آفة هدامة ولابد أن نقضي عليها وعلى آثارها وتبعاتها.. إنها العبودية.
في حديث حول العديد من الأوضاع الراهنة عربية وإسلامية؛ سياسية واجتماعية مع واحدة من أهل الرأي والفكر والرؤى وإحدى السياسيات الناهضات بشؤون المرأة والمجتمع في عالمنا العربي والإسلامي شخصية هذه الإضاءة مرة أخرى قريباً من الحدث هي النائبة الموريتانية المناضلة: قامو عاشور؛ خرجنا بزبدة الصدق من الحديث ودقة الرأي وصواب الرؤية في الحوار الذي دار مع سعادتها على النحو التالي/
سعادة النائبة قامو عاشور كثير من عرب المشرق والناطقين بالعربية في العالم لا يعلمون الكثير عن موريتانيا، وفي مقالاتكم يرى القارئ وجود أزمة اجتماعية كبيرة في موريتانيا وقد لا تغطي مقالاتكم حجم أزمة مجتمع، وقد تركز على معاناة فئة بعينها، لذا نجد لزاماً علينا أن نساهم في عرض جانب من جوانب الحقيقة عن موريتانيا كما هي خاصة بعد البيان الذي نشرته حركة (ايرا) حول القمع الذي وصفه البيان بالوحشي للاعتصام السلمي لنشطاء الحركة قبل أيام، وكذلك وجهة نظركم حول قضايا أخرى مماثلة في محيطنا اليوم من خلال حوارنا مع سعادتكم:
– بداية ما هي المبررات التي أدت إلى هذا القمع المؤسف لتجمعكم.. هل كانت هناك خروقات من قبلكم، هل أخطرتم الجهات المعنية بنيتكم لإقامة هذا التجمع، هل يهدد تجمعكم هذا أمن البلاد أو يضر بالأمن والسلم الاجتماعي في موريتانيا؟
– لقد كان اعتصاماً سليماً نظمته مبادرة انبعاث الحركة الإنعتاقية (ايرا) بعد إخطار الرسمية مسبقا بذلك، وأُقيم عند الساعة الحادية عشرة صباح يوم الاربعاء 27 سبتمبر 2023 امام وزارة العدل؛ ولا توجد أي خروقات كانوا سلميين يحملون مطالب على ورق أليس الورق شكلاً من أشكال السلمية، ولا يمس ولا يهدد لا أمن الدولة ولا السلم الاجتماعي في موريتانيا على الإطلاق بل كان نشاطاً وطنياً حقوقياً جاء احتجاجاً علي اعتقال الناشط الحقوقي المناهض للعبودية يوبا سيبي المعروف بيننا بـ (يوبا الغوث) الذي سلمته السلطات السنغالية للسلطات الموريتانية، وكذلك للتنديد برفع الحصانة البرلمانية عن النائب في البرلمان الموريتاني محمد بوي وسجنه بسبب ابداء رأيه خلال جلسة داخل قبة البرلمان؛ وهنا نتساءل أين ما يدعو إلى هذا العنف الوحشي وغير المبرر، لم يكن هناك أي مبرر لذلك أبداً، كانوا مواطنين مسالمين يطالبون بحقوق مشروعة ويجب الإستماع إليهم وتلبية مطالبهم أو على الأقل الرد عليها بمسؤولية وليس بالقمع فنحن دولة لها دستور ينص على الحرية والديمقراطية التعددية وحرية الرأي واحترام حقوق الإنسان.
– نعلم أنه لا تزال هناك تبعات وآثار للعبودية في موريتانيا وبعض الدول كالعنصرية وعدم تكافؤ الفرص وحصر السلطة في فئات بعينها، والسؤال هنا هل لا زالت هناك عبودية في موريتانيا بهذا الشكل الذي نرى آثاره والشكل العنيف الفج الذي يتم التعامل فيه مع متظاهرين سلميين ينادون بحقوق طبيعية ومشروعة.
– نحن مناضلون ووطنيون تحرريون ونعلم أن هناك تبعات وآثار لكل حقبة تاريخية في كل مكان وكما كانت هناك تبعات وآثار سلبية للحقبة الإستعمارية وآثار إيجابية لدولة المرابطين؛ لا زالت هناك أيضا تبعات وآثار سلبية عميقة ولا تزال قائمة ومتجذرة للعبودية في موريتانيا وأكثر مما ترونه فنصف المجتمع الموريتاني يعاني من تبعات وآثار العبودية ومعاناة الناس قد لا ينصف في إيضاحها خبر أو يبينها رأي متواضع وإنما تبينها وتوضحها المعايشة والإطلاع عن قرب، وأحيانا قد تكون الصورة في التعبير أبلغ من القلم وتكون نبرة صوت الموجوع موجعة للسامع الحر الحي وأصدق وأبلغ من ألف قلم، وللعبودية في موريتانيا عدة أشكال منها العبودية التقليدية المعروفة التي لا تزال قائمة والعبودية المعاصرة كاستغلال البشر بسبب فقرهم وحاجتهم فيستسلمون من أجل أبنائهم وكي تستمر حياتهم وهذا النوع مسلوبُ الإرادة كلياً فهو تابع لحاجته ورأيه مسلوبٌ أيضاً لأنه مرهون برزقه وهنا لا يمكن تسمية الحرية المرهونة بالرزق والكرامة حرية وإنما هي عبودية أيضاً، وهناك العبودية العقارية حيث لا يملك العبيد وأبناء العبيد عقاراً لا أرضاً ولا بيتا ويخضعون لإستغلال الإقطاع وكثيراً منهم يعيشون في تجمعات سكنية عشوائية لا تخطيط فيها ومعدومة الخدمات وبالتالي ماذا ستفرز هذه التجمعات السكنية البائسة، وهناك نوع آخر من العبودية هو أخطر من سابقيه وهو قيد العبودية المشين الذي لا يطارد كلا الطرفين العبد والمُستعبد أو بتعبير آخر (السيد الحر والعبد مسلوب الحرية) لا يزال هذا القيد عالقاً بالأذهان وملوثاً للأرواح؛ يشعر أحدهم بأنه لا يزال عبداً حيث لم تكن النصوص التشريعية على الورق كافية لتحريره هناك حاجته الشديدة وهناك نظرة البعض الآخر له النظرة الجائرة وغير المنصفة له كإنسان ففيها استعلاء واستغلال من طرف قوي لطرف رقيق الحال مستعد للإستسلام، وهنا يمكن القول بأن كلا الطرفين السيد والعبد وكلنا عبيد لله يعانيان من شدة وطأة فكلاهما لم يتحرر من اعتقاداته وأحاسيسه وهنا يأتي دور النخبة المثقفة وقوى التحرر وعلماء الدين في التوعية والتذكير بمخافة الله، ونحن نريد أن نحرر الطرفين من تلك الرواسب، وما هذا العنف الوحشي إلا من تبعات وآثار ورواسب العبودية، ونعلم أن الله خلق العباد متفاوتون في النعم وهذه سنته في خلقه، ولكن على الدولة واجبات تجاه مواطنيها خاصة الحلقة الأضعف وهم العبيد وأبناء العبيد لتضعهم فقط على أول الطريق ثم يشقون طريقهم بكدحهم شأنهم شأن باقي الموريتانيين الفقراء.
– تقولون أن موريتانيا لا تنقصها القوانين بل ينقصها تطبيق القوانين ماذا تقصدون بذلك هل تكافح القوانين والتشريعات الموريتانية قضية العبودية والعنصرية ممارسة وفكراً؟
– نحن مواطنون مخلصون لبلادنا وسنبقى كذلك ونريد لها الأفضل ولشعبنا حياة حرة كريمة مزدهرة، وجواباً على السؤال نعم نقول وسنبقى نقول بأن موريتانيا لا تنقصها القوانين بل ينقصها تطبيق القوانين حتى تنهض موريتانيا وتكون في أفضل الصور ويعيش شعبها بكل مكوناته في أمان وسلام وازدهار، نعم أُلغيت العبودية في موريتانيا قانونياً لكن القانون لم يكافح العبودية والعنصرية بأشكالها وممارساتها على أرض الواقع ولم يعالج رواسبها، ولم يؤهل تلك الفئة الضعيفة المُستضعفة لتتمكن من العيش في إطار المواطنة والعدالة الإجتماعية بعد تحررها، ولو تم تطبيق القوانين والتشريعات وفقاً للنصوص ومضامينها بالشكل الصحيح لكنا بحال أفضل مما نحن عليه اليوم، ويجب على المشرعون إعادة النظر في تشريعاتهم ووضع قوانين تعالج هذه القضايا، كذلك على أبناء المجتمع مثلي وغيري أن يتحملوا مسؤولية معالجة هذه الأمراض الاجتماعية لنحمي مستقبلنا منها فالعبودية والعنصرية أوبئةٌ وأمراضٌ اجتماعية.
– إطلعنا في وسائل الإعلام ومن خلال بيانٍ أو ايضاح صادر عن اللجنة الإعلامية في حركة (ايرا) بأن هناك نساء تعرضن لقمع مفرط وكانت إحداهن سيدة حامل تعرضت للضرب على بطنها، كما تعرض عدة رجال لإصابات عديدة منها كسور في الأيدي والأرجل هل تؤكدين صحة هذه المعلومات، هل طالبتم بفتح تحقيق في هذا الموضوع؟
– نعم وبكل أسف أؤكد هذه المعلومات والمستشفيات والصور تؤكدها وحتى العناصر القمعية تؤكدها كذلك تم اصطحاب بعض الضحايا في لقاء خبراء الأمم المتحدة كأدلة حية، كما أن هناك مصابين بكدمات وآثار لصعقات الأجهزة الصاعقة التي تحملها العناصر الأمنية، وأي تحقيق يمكن أن نطالب به فالقوات القمعية التي قمعت الإعتصام حكومية تابعة لحكومة تعلم مسبقاً بإقامة الإعتصام السلمي وتفاصيله، وقامت هذه القوات بقمع الإعتصام والعمل على فضه بأمر حكومي موجه، وبعض هذه العناصر كان في حالة تردد ومُدركٌ أنه يرتكب عملاً غير إنساني لكنه يخضع لأوامر يجب أن ينفذها تفادياً لِما قد يتعرض له من عقوبات، ولم يستمعوا لمطالب سلمية بشأن نائب لها ناخبون ويمثل الشعب رُفعت الحصانة عنه على رأيٍ وهو من حقه فكيف سيحققون بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرض لها مواطنون منقوصي الأهلية كمواطنين في نظر البعض، ولا نرغب في تصعيد المواقف لاعتبارات وطنية على أمل أن يُصلِحوا هذه الفوضى وهذه فرصة للجميع ليتحلوا بالمسؤولية تجاه أنفسهم ووطنهم والإنسانية التي ينتمون إليها.
– السؤال الأخير من خارج موريتانيا وكون سعادتكم حركة تحررية كيف ترون حقوق المرأة في أفريقيا وفي إيران التي تتعرض فيها النساء والمتظاهرين أيضاً لقمع وحشي مفرط ودامٍ والعديد من الفتيات لقين حتفهن نتيجة هذا القمع، وكيف ترون مسيرة نضال المرأة الإيرانية، وهل تعتقدون أن الثورة القائمة في إيران ثورة ضد الحجاب والعفة كما يدعي نظام ولاية الفقيه في إيران، هل تعتقدون أن المرأة في إيران ستسقط هذا النظام قريبا؟
– هذا السؤال مهم ومتشعب، ومن المنصف أن ندعم الحق وكل نضال هو حق مشروع؛ ولا تزال مع الأسف حقوق المرأة الأفريقية منقوصة وذلك لعوامل عديدة أساسها الإستعمار والحروب والعنصرية والتطرف المُلِك، وغياب التنمية وغيرها من الكوارث والمعوقات في المجتمعات الأفريقية؛ ولله الحمد المرأة في موريتانيا بحال أفضل فمجتمعنا ينظر للمرأة بحرص ووقار بالمقارنة مع دول أخرى.
أما بالنسبة لإيران فآفة التطرف ووباء الإكراه على المستوى الرسمي قد أهلكا المجتمع، ونحن ننظر للمرأة الإيرانية أنها الأكثر نهضة في المنطقة والمكاسب الثورية التي حققتها على طريق التحرر قد تفوق المستوى العالمي، وما تتعرض له النساء من قمع وقتل وجرائم وحشية في إيران هو بسبب هذه المكاسب التي على رأسها قيادة المرأة الإيرانية للثورة ورفعها شعارات وأدبيات أشرف والمقاومة الإيرانية التي تقودها إمرأة وهي السيدة مريم رجوي وغالبية من النساء؛ والنساء الإيرانيات بعد ثورة الإنترنت أصبحن اليوم على ارتباط وثيق بالمقاومة الإيرانية فكريا وعضويا وثوريا.. المرأة الإيرانية اليوم وحدت الصفوف التي فرقها النظام من باب فرق تسد إذ نجد من خلال متابعات أن مطالب النساء في جميع أنحاء دولة إيران موحدة وهذا أمر فيه نوع من التنظيم والوعي والترابط لابد أن هناك من يربط كل هذه الأطراف مع تنوعها واختلاف وجهات نظرها ولاشك في أن هذا الرابط هو رابط سياسي تنظيمي؛ ويُقر الجميع بمشروعية نضال المرأة الإيرانية من منطلق مظلوميتها وحقوقها الأساسية ونضالها موفق ويبعث على الفخر والارتياح ونجاحها نجاح لكل نساء العالم ولنا نحن أيضاً كنسوة نريد الأفضل لوطننا ومجتمعنا، إننا نتألم كثيراً وقلقون بسبب هذا التآمر على الثورة الإيرانية الحالية بوصفها ثورة ضد الحجاب والعفة؛ فمن ناحية العفة لا يمكن للمرأة السوية أن تعيش بدون عفة أو حياء في أي مكان بالعالم، وأما من ناحية الحجاب فلأنه بالإكراه يتم التمرد على من يفرضه وليس على الحجاب؛ التمرد على من يفرض لغة وفكر ونهج الإكراه، ونحن مسلمون ولنا قيم نلتزم بها ويلتزم بها الشعب الإيراني فالنساء الإيرانيات اليوم هي نفسها بنات الشعب الإيراني اللواتي رفضت أمهاتهن وأخواتهن وأنفسهن إكراه الشاه لهن على خلع الحجاب، وبنات الشعب الإيراني هن أنفسهن اللواتي في منظمة مجاهدي خلق ويرتدين الحجاب بالتزام لكنهن يرفضن الحجاب بالإكراه منذ عقودٍ من النضال؛ إذن العملية عملية رفض للإكراه وليس لمبدأ الحجاب والعفة ولابد أن يقترن الحجاب بالعفة من خلال التربية والتهذيب والتوعية بالحسنى والسلوك القدوة، ووصف الثورة بأنها ثورة ضد الحجاب هي وسيلة للطعن بشرعية الثورة وقد أجابت المرأة الإيرانية على ذلك بأنها مواصلة الثورة بحجاب وبدون حجاب والأغلبية من المشاركات في المظاهرات في إيران محجبات، ومن الطبيعي أن يحاول النظام الطعن في من يريدون إسقاطه، وقد كنا نعتقد قبل فترة طويلة بأن المرأة الإيرانية سوف تنجح في قيادة ثورة الشعب وتُسقط بذلك النظام لكنها المُتغيرات الدولية والسكوت على قمع النظام الوحشي للمرأة والمتظاهرين ودعم النظام والتغاضي عن انتهاكاته بحسب قول المنظمات الدولية، وهذا ما أبقى النظام في السلطة؛ ولكن لطالما بقيت قيادة المرأة للثورة مستمرة ستُسقط النظام قريباً وكلما تصاعد قمع النظام للثورة والشعب كلما كان ذلك شعوراً من النظام بالخطورة وقرب النهاية؛ ثورة النساء في إيران نوعية ونهضتهن نوعية ونحن مع ثورة الشعب الإيراني وحقوقه المشروعة.
* قامو عاشور هي: نائبة برلمانية موريتانية ومناضلة من أجل الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان في موريتانيا، ومن المهتمين بقضايا العالمين العربي والإسلامي، ومن الناشطين المناضلين في صفوف حركة (ايرا) التحررية في موريتانيا
كواليس اليوم