زيارة السلطان أحمد علي دينار ودور الطرق الصوفية من أجل السلام والاستقرار

اثنين, 28/04/2025 - 09:51

شهدت الساحة الوطنية مؤخراً نقاشات حيوية على خلفية زيارة السلطان أحمد علي دينار إلى بلادنا، وهي زيارة نظمت في إطار روحي بحت، بدعوة كريمة من القيادة العامة للطريقة القادرية في غرب إفريقيا.

وبصفتي مراقباً مهتماً بالشؤون السياسية والدينية والثقافية في البلاد، وبعد البحث معمق في شخصية السلطان ودوره في تعزيز السلام، أود أن أقدم التوضيحات التالية:
السلطان أحمد علي دينار، حفيد القائد التاريخي وسلطان دارفور علي دينار (السودان)، ليس مرتبطاً بأي حزب سياسي. إنه يُعتبر رمزاً للسلام والعمل الإنساني، ومعروفاً بدوره الفعال في دعم عمليات المصالحة الاجتماعية. وقد تم تكريمه بعدة جوائز دولية، من بينها جائزة السلام العالمية في قمة البوسفور 2024.
وتلعب موريتانيا، التي تحتضن القيادة العامة للطريقة القادرية في غرب إفريقيا، منذ وقت طويل دوراً محورياً في نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.
ولم تكن الطريقة القادرية، التي تمثلها عائلة الشيخ آياه في نِمجاط، يوماً منغلقة في إطار محلي ضيق، بل كانت ولا تزال تنشط في إطار روحي دولي واسع، كما هو الحال مع العائلة السنغالية للشيخ أحمدو بامبا أمبك في توُبا، التي تنشط في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا لنشر دعوة التسامح والتعايش السلمي.
اليوم، تُعكس الديناميكية المتجددة التي نراها في نِمجاط وعياً عميقاً لدى القيادة الجديدة للطريقة حول أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الزعامة الروحية خارج الحدود التقليدية.
في عصر الحداثة، لم تعد الطرق الصوفية مجرد منابر محلية للوعظ، بل أصبحت جسوراً حضارية وأدوات دبلوماسية ناعمة، تساهم في بناء علاقات ثقة وسلام بين الشعوب، وتفتح آفاقاً واسعة لعلاقات ثقافية وإنسانية واقتصادية مفيدة، قد تكون أكثر تأثيراً من القنوات الدبلوماسية الرسمية.
أتذكر أنه في عام 2011، كنت قد أدرجت في تحليل منشور آنذاك الأهمية الاستراتيجية التي يمكن أن تلعبها زعامات الطرق الصوفية في مكافحة التطرف، وفي تعزيز السلام والاستقرار في المناطق التي تمتد فيها تأثيراتها الروحية.
اليوم، في ضوء الديناميكية المدهشة التي تبديها عائلة أهل الشيخ آياه، لا يسعني إلا أن أفرح لرؤية هذه الرؤية تتحقق عملياً. أود أن أوجه لهم أحر التهاني وأشجعهم على الاستمرار في هذا الطريق الفاضل، خدمةً للبلاد، ولشعبنا في الداخل والخارج، ولصورة الإسلام المعتدل التي تفتخر بها موريتانيا على الساحة الدولية.
كما أوجه نداءً صادقاً وآملاً إلى بقية العائلات الدينية للانضمام إلى هذه الديناميكية الإيجابية، لأننا من خلال توحيد جهودنا يمكننا أن نحافظ على ديننا، ونقوي تلاحمنا الوطني، ونعزز الاستقرار الضروري لمستقبل بلادنا.
وفي هذا السياق، لا تعكس الانتقادات الموجهة لهذه الديناميكيات سوى عدم فهمٍ لأهمية الدبلوماسية الدينية في عالم اليوم.
المهام الروحية الحديثة تتطلب انفتاحاً وحضوراً نشطاً على الساحة الدولية، بهدف تعزيز مكانة بلدنا، والدفاع عن مصالح مواطنينا في الخارج، وتسليط الضوء على صورة الإسلام المعتدل التي تفتخر بها موريتانيا.
ومن هذا المنطلق، يعكس احتفاء بلادنا بشخصيات تعمل من أجل السلام، في إطار روحي وثقافي، إرادة حقيقية لجعل موريتانيا منصة للحوار ومنارة للتسامح والانفتاح، كما كانت دائماً في تاريخها المجيد.
نسأل الله أن يهدينا إلى طريق الحق والنجاح.    

هارون الرباني

جديد الأخبار