
افتتحت جمهورية غينيا الجمعة قنصلية بمدينة الداخلة في الصحراء المغربية هي الثالثة من نوعها في المنطقة الخاضعة لسيادة المغرب، فيما دشن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الغابوني آلان كلود بيلي باي نزي مقر القنصلية العامة لجمهورية الغابون في مدينة العيون.
وتشكل هذه الخطوة الدبلوماسية صفعة أخرى على وجه الكيان غير الشرعي المسمى 'الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية' والذي حصل في السابق على اعتراف محدود من بعض الدول الافريقية بدفع من الجزائر.
ويشكل هذا الافتتاح تتويجا لحراك دبلوماسي هادئ ورصين أسس له العاهل المغربي الملك محمد السادس على طريق تفكيك الأحزمة الدبلوماسية (الاعترافات السابقة المحدودة بالبوليساريو) للجبهة الانفصالية والتعاطي الفاعل مع أي أزمة أو ملف إقليمي أو دولي وعلى مسار تعزيز الدور المغربي في العمق الإفريقي.
وبعيدا عن الصخب الإعلامي كانت الدبلوماسية المغربية بتوجيه من الملك محمد السادس تؤسس لمرحلة جديدة لحسم النزاع في الصحراء وتقويض شرعية زائفة للبوليساريو اختتمت أحدث حلاقاتها بسحب العديد من الدول الاعتراف بما يسمى الجمهورية الصحراوية.
وافتتاح جمهورية غينيا قنصلية لها في الصحراء المغربية هو أحدث حلقة في سلسلة النجاحات الدبلوماسية على مسار تعزيز مغربية الصحراء، فيما أكدت المملكة مرارا أن السيادة على الصحراء من الثوابت الوطنية وأنها خط أحمر وقضية غير قابلة للمساومة أو التفاوض.
وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي حضر الافتتاح إلى جانب نظيره الغيني مامادي توري "مغربية الصحراء تترسخ يوما بعد يوم من خلال مواقف دبلوماسية وتصرفات قانونية مثل فتح القنصليات".
ووصف بوريطة مواقف البوليساريو الأخيرة حول الرالي مرور 'أفريكا إيكو رايس' عبر الصحراء بأنها تصرفات قطاع طرق، مؤكدا أنه لا يمكن للمغرب أن يتوصل إلى حل لقضية الصحراء مع "قطاع الطرق"، أو من يدعمهم.
تدشين مقر القنصلية العامة لجمهورية #الغابون في مدينة #العيون، يوم الجمعة 17 يناير 2020، من طرف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد #ناصر_بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية الغابوني، السيد #آلان_كلود_بيلي باي نزي
وأوضح في مؤتمر صحفي في الداخلة مع نظيره الغيني مامادي توري أن المواقف التي عبر عنها الانفصاليون بخصوص مرور الرالي عبر الصحراء المغربية ليست إلا مجرد "شطحات وأوهام وتصريحات تثير الشفقة".
كما اعتبر أن تلك المواقف تسلط الضوء على "انحدار مستوى هؤلاء الناس"، مضيفا أن المشكلة التي تواجهه الأمم المتحدة لتسوية قضية الصحراء تكمن في غياب شريك له مصداقية يمكن الوثوق به وصولا إلى حل نهائي في اطار السيادة المغربية.
وذكّر الوزير المغربي بمواقف مجلس الأمن الدولي بخصوص ملف الصحراء المغربية التي أكدت على ضرورة انسحاب الانفصاليين من منطقة الكركرات.
وأشار أيضا إلى التصريحات الأخيرة للمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة التي طالب فيها ب"السماح بمرور حركة مدنية وتجارية منتظمة" بالكركرات، مشددا حينها على "الامتناع عن أي إجراء قد يشكل تغييرا في الوضع القائم في المنطقة العازلة".
وكانت جمهورية جزر القمر أول بلد يفتتح قنصلية بمدينة العيون في ديسمبر/كانون الأول 2019 تلتها قنصلية أخرى لغامبيا بمدينة الداخلة (جنوب العيون) الأسبوع الماضي.
واعتبرت الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو أن قرار غامبيا فتح قنصلية في الداخلة "يشكل انتهاكا صارخا لمعايير القانون الدولي وعملا استفزازيا يهدف إلى تقويض عملية تسوية مسألة الصحراء التي تتم تحت رعاية الأمم المتحدة".
وقطع الموقف الجزائري بانحيازه مجددا للكيان غير الشرعي في الصحراء المغربية كل أمل في تغير الموقف الرسمي بعد استقالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وتعيين رئيس مؤقت هو عبدالقادر بن صالح الذي غادر منصبه بعد انتخابات رئاسية جاءت بعبدالمجيد تبون للرئاسة وهو أحد رموز النظام السابق.
والصّحراء المغربيّة مستعمرة إسبانيّة سابقة تمتدّ على مساحة 266 ألف كيلومتر مربّع، شهدت نزاعا مسلّحا حتّى وقف إطلاق النّار في العام 1991 بين المغرب الذي استعادة سيادته عليها في 1975 والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) التي تطالب باستقلالها مدعومة من الجزائر.
ويسيطر المغرب على 80 بالمئة من مساحتها مقترحا منحها حكما ذاتيا تحت سيادته وهو الاقتراح الذي لاقى ترحيبا دوليا، في حين تطالب البوليساريو باستقلالها.
وترعى الأمم المتحدة منذ عقود جهودا لإيجاد حل سياسي متوافق عليه ينهي هذا النزاع، إلا أن الاخلالات في المعالجة على مدى السنوات الماضية بما فيها مواقف أخرجت المنظمة الدولية عن مبدأ الحياد أفشلت تلك الجهود.
وفي مايو/أيار استقال آخر مبعوث أممي في هذه القضية، الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر "لأسباب صحية" بعدما تمكن من جمع الطرفين حول طاولة مفاوضات بعد ست سنوات من القطيعة. ولم يعين بعد خلف له.
الرئيس الجزائري الجديد على خطى بوتفليقة في دعم البوليساريو وتعطيل اي تسوية سلمية لملف الصحراء
كما أن انتهاكات جبهة البوليساريو المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار في المنطقة العازلة قوض الجهود الدبلوماسية لتسوية النزاع.
وفيما التزم المغرب بدبلوماسية هادئة قائمة على احترام القانون الدولي والمواثيق الدولية والجنوح للسلم، يبقى الدعم الجزائري للجبهة الانفصالية واحدا من العوامل التي أججت النزاع وعرقلت الجهود الدولية للتسوية.
وكان يعتقد على نطاق واسع أن تُراجع الجزائر موقفها من ملف الصحراء المغربية على وقع أشهر من الاحتجاجات الشعبية حملت معها ملامح تغيير في المواقف السياسية التي أثقلت كاهل الشعب لعقود، لكن النظام الجديد الذي يعتبره كثيرون استنساخا للنظام السابق لم يخرج من عباءة بوتفليقة.
وفيما كان الجزائريون ينتظرون تغييرات جذرية، تبدلت الوجوه وبقي النظام ومواقفه وسياساته على حالها.
وفي مؤشر آخر على سلبية الموقف الجزائري الرسمي، أعلن الاتحاد الجزائري لكرة القدم رفضه وتنديده بإقامة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم بمدينة العيون في الأقاليم الجنوبية المغربية.
كما أكد الاتحاد الجزائري مقاطعته أيضا لاحتفالات الذكرى الـ63 لتأسيس 'الكاف' التي ستعقد على هامش اجتماع اللجنة التنفيذية المقرر في الثامن من فبراير/شباط المقبل بالمغرب.
وهذا الموقف ليس الأول في خضم مواقف جزائرية دافعة نحو التصعيد وعرقلة كل جهود التطبيع بين البلدين الجارين.
ميدل ايست اونلاين