إطلالة على الشعر العالمي للشاعر سيدي ولد بمب في فعاليات معرض الدوحة للكتاب

خميس, 16/01/2020 - 10:30

تُنظّمُ وزارة الثقافة والرياضة ، كُلَّ عام ، معرضَ الدوحة الدولي للكتاب، دعماً للمعرفة، واستجابةً لروح العَصر، وما ينشدهُ المجتمع ، من تطلعاتٍ نحو التأكيد على دور القراءة في صياغة المواطن الصالح، وتوسيع مَداركهِ ، وتزويدهِ بالمراجِع الثريَّة ، لدعم رؤاهُ في الحياة.
ولقد جاءت النسخةُ الثلاثون للمعرض هذا العام، في حلَّةٍ جديدة! ألا وهو أقدمُ معرضٍ في منطقة الخليج العربي، إذ بدأ المعرضُ الأول عام 1972، أيّ بعد الاستقلال بحوالي عام فقط. وهو دليلٌ على أن العِلم والمعرفة من أولويات دولة قطر، وأن المواطن بدونهما، لن يكون مؤهلاً لإدارة التنميةِ الشاملة في البلاد.
ولقد جاء شعارُ المعرض هذا العام ( أفلا تتفكرون )، وهو استفهام إنكاريّ، في اللغة، يحضُّ على إِعمال العقل ، والتفكّر والتبصّر في الكون، ودورِ الفكر والعقلِ في تقدُّم الأمم وتطوّرها.
وهو ينطلق من روح الدستور القطري، بأن الإنسان هو عماد التنمية، كما جاء في المادة ( 22) من الباب الثاني ، والتي تنصُّ على :
" ترعى الدولةُ النشءَ ، وتصونهُ من أسباب الفساد وتحميه من الاستغلال، وتَقيه شرَّ الإهمال البدني والعقلي والروحي، وتوفرُ له الظروفَ المُناسبة لتنمية ملَكاته، في شتى المجالات، على هدى التربية السليمة ".
ورغم ما تمّ تداولهُ حول الشعار، في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أننا نرى مشروعيةَ هذا الشعار، وقوةَ تحريضه للنشء ، على إِعمال العقل ، واستنباط الأفكار الجديدة للحياة.
ولقد نجح القائمون على المعرض في جعله أيقونةً ثقافية، ولوحةً فنية، من حيث المفهوم (Concept ) ومن حيث التصميم (Design)! فلقد اختفت الكتبُ المُتراصّة ، والمَمراتُ الضيقة ، والازدحام الشديد. وأصبح الزائرُ للمعرض يشعرُ بأنه داخل لوحة فنية، خصوصاً وأن شراكة هذا العام مع الجمهورية الفرنسية، حيث بانت علائمُ الحضارة الفرنسية على جنبات المعرض ومضامينه، ناهيك عن أماكن الاستراحات الجميلة، سواء للأطفال أم للكبار. وأعتقدُ أن هذه من أفكار الشباب الذين يجب أن نستمع إلى رؤاهم النيّرة ، ونتناقش معهم حول مشاريعِنا المستقبلية.
وقد لا نأتي بجديد إن قلنا: إن معرض الكتاب ليس " دُكاناً" لبيع الكتب! بل إنه ملتقى حضاري يُؤسسُ لحياة جديدة للإنسان، ويُقرّبهُ من العلم والأدب.
وفي المعرض تتلاقى الأفكار ، وتتلاقح التجارب، وينشأ حوارٌ حضاريٌ ، حول اتجاهات الأدب والفن والمعرفة، وصناعة الكتاب! في وقت سادت فيه الفوضى مناطقَ عديدة من الأدب أو ساحة التأليف.
وفي هذا الملتقى الحضاري، يتم التواصل بين الناشرين والمؤلفين، وتُتاحُ الفرصُ لمشاريع جديدةٍ قد تكون إنتاجاً أدبياً جديداً ، أو ترجماتٍ لإنتاج عربي أو العكس، أو تُنجز أفكار لدراسات جديدة في منحى مُهمل من مناحي الحياة. وهذا بحدِّ ذاته ، يُثري المناخ الأدبي، ويدعمُ صناعة َالكتاب الجيد.
ونأتي إلى فاعليات ( وليس فعاليات ، كما يتم تداوله) التي صاحبت المعرض هذا العام، وهي عديدة ومتنوعة الاتجاهات، ومنها :
ندوة (سيدة القصر) وهي رواية حازت جائزة البوكر العالمية، للكاتبة العمانية (جوخة الحارثي) ، التي تحدّثت عن روايتها، وسبرَت طريقها نحو العالمية، بعد ترجمتها إلى عدة لغات ، وكان اللقاء راقياً ومُركّزاً، وبعيداً عن التقليدية ، كما ذكر لنا صديقٌ عزيزٌ في وزارة الثقافة ذات مساء.
وشاهدنا (مسرح الدُمى) ، الذي ألفته فتاةٌ قطرية وأخرجتهُ سيدةٌ فرنسية، وكان العرض رشيقاً ، مُبهراً ، ولقي تجاوب الأطفال.
ومن اللفتات المهمّة في جدول الفاعليات ، جلسة حوار حول ( الأخطاء اللغوية في وسائل التواصل الاجتماعي) ، وهذا موضوع مؤرقٌ لمحبّي اللغة العربية والمدافعين عن سلامتها. ذلك أن كثيرين لديهم أفكارٌ جيّدة ، لكنهم لا يمتلكون اللغة الجيدة للتعبير عن تلك الأفكار. وبودي لو تم توسيعُ دائرةِ هذا الحوار في المستقبل، بحيث يكون ندوةً مستقلة تُنظمها وزارةُ الثقافة والرياض.
وهنالك فاعلية (مصنع قصص الأطفال) ، ولها أكثرُ من نسخة طيلة أيام المعرض.
كما وُجدَ نشاطٌ حول تَعلّم اللغة الفرنسية والتركية.
وتم طرح مبادرة ( قطر تقرأ ) ، وهي فاعلية مهمّة وذات نفع كبير للنشء.
وفي اليوم الثاني طُرحت العديدُ من الفاعليات ، التي نذكر منها :
الثقافة التركية بين العُمق التاريخي والانفتاح الحضاري.
كما تم تنظيم ندوةٍ شعرية تحت عنوان ( سحر البيان) ، وشارك فيها الشاعر زايد آل زايد والشاعر علي ميرزا.
وطُرحَ موضوع كيف تتعلم اليابانية .
كما كانت هنالك مراسمُ حرّةٌ في جنبات المعرض، حيث بادر الفنانون على اختلاف مدارسهم، في طرح أفكارهم مباشرة على الجمهور.
وتم تنظيم مسرحية (براعم) في اليوم الأول والثاني، ما استقطب العديدَ من الأطفال وذويهم.
وفي اليوم الثالث، كانت هنالك ندوة (الرواية : الفكرة والنشر) للروائي الكويتي الصديق (طالب الرفاعي) ، وسعدتُ بتقديم هذه الندوة.
وتم تنظيم قراءة في كتاب ( حياة عالم من قطر- سيرة الشيخ عبدالله بن تركي السبيعي ).
كما تم تنظيم حفل توقيع كتب الأدبية (أحلام مستغانمي).
وتم عرض مسرح الطفل في أكثر من منصّة.
ولا تكفي المساحة هنا ، لاستعراض باقي الفاعليات المهمة في المعرض، إلا أنه من المفيد الإشارةُ إلى قراءات في دواوين شعراء قطريين، وتوقيع هذه الدواوين. وندوة ( التأثيرات المتبادلة بين الأدبين العربي والفرنسي) ، ومقامات قطرية: أعمال خالدة للفنان الراحل عبدالعزيز ناصر، ومحاضرة الإعلام والمفاهيم القيمية للدكتور محمد نويمي الهاجري، وإطلالة على الشعر العالمي ، للشاعر سيدي ولد بمبا، والشاعر عبدالحميد اليوسف، وغيرها من الفاعليات التي تُرضي الأذواق، والاتجاهات في عالم المعرفة والأدب والفن.
معرض الدوحة الدولي للكتاب، هذا العام في حُلّةٍ جديدة ، ومفهومٍ جديد، وكان من المَشاهد الجميلة التي شاهدتها ، وقوفُ طالبٍ قطري لم يتعدَ الخامسة والعشرين ، كنتُ قد درّستهُ في كلية المجتمع ، وقد أنهى تعليمه الجامعي، وسألني عن الدراسات العُليا، وهو يصطحب ابنهُ ذا الأربع سنوات إلى المعرض! وقد عَلقت الصورةُ في ذهني، وقلت: حبذا لو جاءَ مَن يتسابقون في (سيلين) ، ويُعرّضُون حياتَهم وغيرهم للخطر، إلى هذا المعرض ، الذي يَهبُ الحياةَ والأمل، ويطّلِعونَ على أقرانهم من الإيجابيين الذين حباهُم الله بالعقل والرزانة.
معرضُ الدوحة الدولي للكتاب، رافدٌ من روافد بناء المجتمع السليم، وهو فرصة للجميع، حتى هؤلاء الذين لا يُحبوّن القراءة!؟ ولقد لمسَ شغافَ قلبي قولُ شخص لا أعرفه، ونحن في أحد مَمرات المعرض، لي : " أنا أُحِبُّ شخصيتَك في الله"!. تصوّروا كم تركَ ذاك الشابُ في نفسي من أثرٍ طيب! وهو حتماً لا يريدُ شيئاً مني ولا أنا أريدُ شيئاً منه! كي أذكُر هذه الحادثة، لكنَّ معرضَ الكتاب أتاح َهذا اللقاء الذي كرّمني به الله. ولقد أثّر فيّ أيضاً وقوفُ أخوَين سودانيين عند دار النشر ، ليطلبا مني توقيع روايتي الجديدة ، وأبلغاني بأنهما يتابعانني منذ زمن. وهذا التفاعل بين الكاتب والجمهور لا يتأتى إلا عبرَ معرض الكتاب.
معرض الدوحة الدولي للكتاب مناسبةٌ للتعبير، والتصوير، والاطِّلاع، وتوسعةِ المَدارك، بل قد تنطلق منه إبداعاتٌ شابةٌ محبوسةٌ بحُكم الخجل أو عدمِ معرفةِ الطريق نحو عالم الإبداع. ورغم ما أُثير حول تعدد المقاهي في المعرض، إلا أن ذلك لا يُقلل من قيمة المعرض العلمية والأدبية، وقد تجذب المقاهي الجمهور للاقتراب من الكتاب.
وأخيراً، معرضُ هذا العام تُحفةٌ إبداعيةٌ فنيةٌ نشكرُ كُلَّ مَن ساهمَ فيها .

. أحمد عبدالملك

الشرق

جديد الأخبار