
استمرت في موريتانيا، الأربعاء، الاحتجاجات على اعتقال الإعلامي الموريتاني البارز، الحقوقي الإسلامي، أحمد ولد الوديعة، الذي أوقفه الأمن الموريتاني، ضمن متابعات لـمتهمين بأعمال شغب رافقت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الإثنين الماضي.
وحسب مصادر مقربة من ملف الاعتقالات، فإن الإعلامي أحمدو الوديعة الذي تشغل قضيته الرأي العام الموريتاني، والذي يتابعه الآلاف عبر “فيس بوك”، متهم “بنشر تدوينات كثيرة صاحبت أعمال الشغب الأخيرة، وتضمنت ما اعتبرته النيابة تحريضات على العنف”.
واحتج حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض (منسوب للإخوان)، في بيان وزعه الأربعاء، على “قيام قوات الأمن باختطاف عضو المكتب التنفيذي في الحزب، الصحافي اللامع، الحقوقي المميز أحمدو الوديعة، من بيته بطريقة مستفزة، في انتهاك صارخ للحقوق والحريات المكفولة في الدستور والقوانين”.
وتابع البيان: “إننا في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، نطالب بإطلاق سراح الأستاذ أحمدو الوديعة فورًا، وتمكينه من كامل حقوقه المدنية، ونحمل النظام تبعات الانتهاك المستمر للحريات العامة والفردية، وسياسة تكميم الأفواه وإسكات كل من يجرؤ على انتقاد النظام وسياساته”.
وطالب الحزب في بيانه “المنظمات الحقوقية، وكل المهتمين بحرية الرأي والإعلام، في البلد بتحمل مسؤولياتهم في الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية”.
ودعا المفكر الموريتاني بدي أبنو، مدير معهد الدراسات والأبحاث العليا في بروكسيل، إلى مواجهة ما وصفه بـ”الانتكاسة الخطيرة في الحريات والحقوق الدستورية في موريتانيا”.
ودعا في تصريحات لوكالة “الأخبار” المستقلة إلى “تعبئة الداخلية والخارجية لإطلاق سراح المناضل الصامد أحمدو الوديعة، وكل معتقلي الرأي، بشكل فوري ولا مشروط، وللوقوف استعجاليًا أمام هذه الانتكاسة الخطيرة قد أصبحتْ أولوية وواجبًا أخلاقيًا ومواطنيًا”.
ووصف ولد أبنو اعتقال الإعلامي ولد الوديعة بأنه “تطور بالغ الخطورة”، مذكرًا بأن “اعتقاله جاء في سياق ما يبدو أنه مجموعة اعتقالات تمّتْ خارج كل إطار قانوني”.
ولفت ولد أبنو إلى “أن السلطات لم تكلف نفسها إعطاء الرأي العام أي تسويغ قانوني، أو تقديم أي مبررات من أي نوع لهذه الاعتقالات، التي تنتمي إلى عصور الأحادية السحيقة”.
وقال: “لا نعرف من نصح السلطات الموريتانية بالقيام بهذه الاعتقالات، أو من أراد توريطها في هذه المرحلة التي لا يخفى طابعها الحرج، وبالتأكيد لم يكن الناصح بهذا أمينًا في نصيحته؛ فاعتقال المناضلين الأحرار ومضايقتهم ليس بالتأكيد أفضل خيار أمام النظام القائم”.
واعتبر ولد أبنو في تصريحه أنه “كما لم تتضح ملابسات هذه الاعتقالات، ولا خلفيات الإشاعات المصاحبة لها، فلم تتضح بعد بشكل مؤكد ملامح الأطراف المعنية داخل دوائر الحكم التي خطّطتْ لها، ولا ما هي دوافعها وغاياتها المخفية، ولكن من المؤكد أن المصلحة العامة والحرص على السلم المدني وعلى التزام مبدأ العدل والإنصاف لم تكن من غاياتها”.
وكتب المدون البارز إسماعيل، ولد يعقوب: “أن الوديعة ليس الرجل فوق القانون، ولا أكبر من الاعتقال، لكن الذين لم يوجهوا له اتهامًا بعدُ، ولم يخبرونا بعدُ لمَ جعلوه يبيت لليلة ثانية بعيدًا عن أبنائه وذويه، لن يغفروا له صدق نضاله وقوة حرفه وحرفيته العالية حين يسأل وحين يجيب، وحين يدوّن وحين يغني لوطن تعلم فيه الأدب، وسامر الصحافة الحرة مذ أبكرت سطورها الأولى، ولامس فيه شغاف الممنوع في الدين واللون واللسان”.
وقال: “ليتهم فهموا أن الوديعة رجل من أحذق وأصدق وأرمق وألبق أبناء جيله وزملاء مهنته ورفاق قضاياه، فيخلوا سبيله أو يحاكموه بعدل وعلى عجل، لأنه من النوع الذي يجاب قبل أن يجيب، ويستجاب له قبل أن يَدعو”.
ويعتبر الوديعة عضوًا بارزًا في قيادة حزب التجمع الوطني للإصلاح، المحسوب على الإخوان، كما يشغل منصب نائب رئيس منظمة “نجدة العبيد” الناشطة في مجال مكافحة الرق، وهو مع ذلك أحد أبرز المدونين الموريتانيين.
ويقدم الوديعة برنامج “في الصميم” على قناة “المرابطون” الموريتانية الخاصة، وهو برنامج يحظى بمتابعة واسعة، وسبق له أن أدار تحرير صحيفة “السراج”، وصحيفة “الراية”.
وأطلقت السلطات الأمنية الموريتانية عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين شملتهم الاعتقالات الأخيرة، لكنها ما تزال حتى ظهر أمس تعتقل قادة في الحراك السياسي الموريتاني المعارض؛ من أبرزهم رئيس حركة المشعل الإفريقي صمب أتيام.
القدس العربي