
أصبح معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات بالعاصمة يضطلع بأدوار إستراتيجية في القارة الإفريقية، حيث أكدت ورقة بحثية منشورة في المعهد المغربي لتحليل السياسات أن "مبادرة تدريب الأئمة الأفارقة شكلت فرصة للمغرب لتسويق سياسته الدينية على المستوى الدولي، مساهمة بذلك في إعادة الوهج لجامعة القرويين وتوسيع دائرة إشعاعها الخارجي كقطب روحي ريادي".
وأوضحت الورقة البحثية، المعنونة بـ"رهانات وآفاق تدريب الأئمة الماليين بالمغرب"، أن مبادرة تدريب الأئمة الأفارقة صارت "علامة دينية متميزة في مجال صناعة الزعامة الدينية ليس فقط في المغرب، ولكن في عدد من الدول الإفريقية. وتشكل مبادرة أزيد من عشر دول إفريقية إلى إبرام اتفاقيات ثنائية مماثلة تقضي بتدريب أئمتها بالمملكة مؤشرا واضحا يؤكد الطلب المتنامي على الخبرة المغربية المتراكمة في هذا المجال".
وشدد سليم حميمنات، الباحث بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط، على أن "المغرب ينظر إلى هذا النوع من التعاون الديني باعتباره جزءا من قوته الناعمة في إفريقيا، ومن ثمة يراهن على أن يتحول الأئمة والمرشدات الدينيات المكونون بمعهد محمد السادس إلى “سفراء” للمملكة ببلدانهم الأصلية، يدافعون عن النموذج الديني المغربي، لا سيما أن سنتين من التدريب المكثف والأنشطة الداعمة بالمعهد تجعلهم أكثر إلماما بالمقومات التي يتأسس عليه وأكثر تشبعا بجوهره وروحه".
وأشار حميمنات، صاحب الورقة التحليلية، إلى التعاون الذي يربط دولة مالي بالمغرب في هذا المجال، وزاد مستدركا: "يوم الأحد 23 دجنبر 2018، وُزِعَت شواهد التخرج على طلبة الفوج الرابع من الأئمة المنحدرين من دولة مالي الذين خضعوا للتكوين الأساسي (2017-2018) بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات بالعاصمة المغربية الرباط. يعتبر هذا الفوج الدفعة ما قبل الأخيرة من مجموع 500 إمام، التزم المغرب رسميا بتكوينهم بناء على اتفاق التعاون بين المغرب ودولة مالي المحرر ببماكو في 20 شتنبر 2013".
وأردف الباحث بأنه "بخصوص الاتفاق المبرم سنة 2013، من المهم الإشارة إلى أن المغرب كان هو صاحب المبادرة في عرض المساعدة على هذا البلد الإفريقي في سياق دعم جهود إعادة الاستقرار في مالي في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري عام 2012. وبالتالي، فطبيعة السياق وهامش المبادرة في تلك الفترة لم يكن يسمح بالتحكم عمليا في كافة الجوانب التدبيرية والإجرائية لتنزيل الاتفاق المشار إليه".
ودعت الورقة البحثية إلى "ضرورة إدراج السلطات المغربية لبنود واضحة، تتضمن تدابير وإجراءات تنظيمية تقنن عملية إجراء الانتقاء وتضمن احترام معايير الشفافية ومبدأ تكافؤ الفرص. والأهم من ذلك، يبدو ملحا إيجاد مداخل لاشتراك ممثلين عن السلطات المغربية كطرف أساسي في عملية الانتقاء، من باب تقديم “الخبرة التقنية” مثلا، بما يسمح باختيار أجود الطلبة الذين يتوفر فيهم الحد الأدنى من الشروط المعرفية والقدرات اللغوية التي تسمح بالانخراط في التأهيل والتكوين بالمعهد على الوجه الأمثل، ويراعي في الوقت نفسه فسيفساء التعددية الثقافية والدينية بذلك البلد".
وأبرز الباحث، في سياق حديثه عن فرص تجويد برنامج التدريب، أن "الإشكال لا يتعلق فقط بتفضيل الطلبة الذين لهم خلفية صوفية وإقصاء الطلبة من ذوي التوجهات السلفية المتخرجين من الجامعات الإسلامية لدول الخليج، بل إنه حتى داخل التوجه الصوفي نفسه، هناك تغليب للتيار التيجاني على حساب الحساسيات الصوفية الأخرى، علما بأن الزاوية التيجانية لا تهيمن كليا ومطلقا على مكونات الحقل الديني بجمهورية مالي".
وخلصت الورقة إلى أن "السلطات المغربية في حاجة ماسة إلى ضرورة الانتباه إلى أن جهودها المبذولة في تأمين تكوين نوعي جيد للأئمة الماليين ستظل محدودة الفاعلية والمصداقية، وقد لا تحقق أهدافها المرجوة، ما لم يتم الاهتمام جديا بالمتابعة البعدية لمسار هؤلاء الخريجين، ويتم تحفيز السلطات المالية على توظيفهم وإدماجهم المهني في بلدانهم".
هسبريس - مصطفى شاكري