موريتانيا ومالي.. علاقات على رمال متحركة

أحد, 21/04/2024 - 17:58

تقف العلاقات بين موريتانيا ومالي فوق رمال متحركة تمتد على امتداد أطول شريط حدودي بين بلدين في غرب أفريقيا.

وطفا التوتر على سطح المشهد بعد احتجاج موريتانيا على ما قالت إنه "اعتداءات متكررة" للقوات المالية على مواطنيها، بالقرب من الحدود بين البلدين.

وفي مسعى لاحتواء التوتر نشطت الدبلوماسية بين نواكشوط وباماكو عبر زيارات متبادلة، لكن لا يزال من غير معروف ما إذا كانت كفيلة بنزع فتيل الأزمة.

سوء تفاهم؟

ورأى الصحفي الموريتاني المتخصص في الساحل الأفريقي عبد الله إمباتي أنه من المبكر الحكم على كون ما جرى يرقى لأزمة سياسية.

وقال إمباتي لـ"العين الإخبارية" إنه من اللافت أن تأتي التوترات بعد بيان الاتحاد الأفريقي الأخير الذي يطالب حكومة باماكو بالتراجع عن تقييد الحريات السياسية وتحديد مسار واضح لعودة الحكم الديمقراطي خاصة مع تتولى موريتانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي.

وأشار إلى أن البيان ربما أزعج العسكر في مالي خاصة أنهم كانوا يعولون على الأرجح في أن توفر موريتانيا حائط صد أمام إثارة القضية لاعتبارات العلاقات التي تجمع البلدين.

ومع تصاعد التوتر الدبلوماسي على خلفية الاعتداءات المتكررة للقوات المالية على موريتانيين على الحدود بين البلدين، احتجت نواكشوط من جانبها على هذه الاعتداءات، وسارعت بإرسال وزير دفاعها إلى العاصمة المالية باماكو لمناقشة الأمر، كما استدعت وزارة الخارجية الموريتانية، سفير مالي للاحتجاج.

وقالت نواكشوط في بيان إن هذا الوضع "غير المقبول" يستمر على الرغم من التنبيهات التي دأبت موريتانيا على القيام بها، بمناسبة حوادث مماثلة، انطلاقا من مبدأ المحافظة على حسن الجوار والعلاقات الوثيقة بين الشعبين والمصالح المشتركة.

ولفت الصحفي الموريتاني المتخصص في الساحل الأفريقي في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أن آثار الحرب التي تقودها مالي على حدودها مع موريتانيا ضد من تصفهم بالإرهابيين، والتي تسببت في مقتل تجار موريتانيين ورعاة على الشريط الحدودي، مع سوء التفاهم في الاتحاد الأفريقي ربما يشكلان بيئة عدائية يمكن أن توفر أسبابا لأزمة أعمق.

واستبعد إمباتي أن يكون الخلاف جاء على خلفية مزاعم بشأن استفادة حركات أزواد والتنظيمات المتشددة من دخول الأراضي الموريتانية كلما اشتد عليها الضغط من الجانب المالي، مؤكدا أن هذا الحديث عارٕ من الصحة.

وأعرب الصحفي الموريتاني عن اعتقاده بأن باماكو ربما تستفيد من توتر علاقتها مع موريتانيا لأنه في ظل الأزمات الحدودية يخف الضغط على العسكر المطالبين بإجراء انتقال ديمقراطي.

حوادث لا أكثر

من جانبه، رأى درامي عبدالله الكاتب الصحفي المالي أن ما يجري على الحدود ليس أكثر من حوادث عابرة.

وقال في حديث لـ"العين الإخبارية" إن متانة الصلة بين الشعبين لا تسمح باستخدام مصطلح التوتر في قاموس العلاقات المالية الموريتانية.

وأوضح أن البلدين يتقاسمان أكثر من سبب للتعايش السلمي وتجاوز الخلافات التي قد تستغلها جهة ثالثة أقصيت عن المسرح الأفريقي منذ فترة.

وأضاف: "ما نراه من محاولات التحريض والدعوة إلى استعراض العضلات لا يصدر من عاقل أوتي نصيبا من ضبط النفس، موضحا أن هذه الحادثة التي راح ضحيتها مواطنون مسالمون من موريتانيا ليست الحادثة الأولى في تاريخ المشاكل الحدودية في المنطقة.

وقال عبدالله إنه على الجانبين دائما استخدام العقل وإعطاء مساحة واسعة للحوار كلما حدث خطأ، وهذا ما تم عندما اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي عندما نشرت وسائل إعلام صور جرحى الفصائل الأزوادية الخارجة عن الدولة المالية وهم يتلقون العلاج في مستشفى بإحدى المدن الموريتانية.

وتابع أن الأمر آثار حفيظة الماليين والسلطات والتي كانت في سعيها لاستعادة مدن الشمال، لكن الحكومة المالية عزفت في ذلك الوقت على الوتر الدبلوماسي لامتصاص الغضب، وتأكيدا لحسن نيتها وأسفها على سقوط موريتانيين.

خلافات تاريخية

الدكتور محمد تورشين، الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، يعتقد من جهته أن التوترات الحدودية بين موريتانيا ومالي مؤخرا، يمكن تفسيرها في ضوء الخلافات التاريخية بين البلدين.

وقال تورشين لـ "العين الإخبارية" معلوم تماما أن موريتانيا كانت لديها خلافات عميقة مع مالي، وكذلك السنغال في عديد من القضايا، وكذلك الجاليات الموجودة في موريتانيا سواء الجالية المالية أو السنغالية.

وأضاف أن "هناك أيضا العديد من القضايا المتعلقة بتوغل الرعاة الموريتانيين في الأراضي المالية".

وأوضح أن السلطات في مالي أدركت خطورة الأمر، وما قد ينجم عنه من تحديات وإشكاليات، لذا نرى أنها أرسلت وفودا إلى نواكشوط، متوقعا أن يكون هناك تنسيق أمني لضبط الحدود.

سياق طبيعي

من جانبه، رأى الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشأن الأفريقي أنه بالنظر لطبيعة الحدود بين البلدين فإن مثل هذه التوترات تجري في سياق طبيعي من دون تعمد.

 وقال جاكو لـ"العين الإخبارية" إن عوامل كثيرة تثير هذا النوع من الإشكاليات منها طول الحدود بين البلدين والتي تبلغ 2337 كيلومترا، وهي أطول حدود بين دولتين في المنطقة، كما أن معظم هذه الحدود أراض صحراوية قاحلة غير مسكونة تقريبا، ما يجعلها بيئة تنشط بها المنظمات الإرهابية والانفصالية.

وأضاف أن الطبيعة الجغرافية في المنطقة تسمح بنشاط تنظيم القاعدة وكذلك حركة الأزواد الانفصالية التي تنطلق من الصحراء في موريتانيا تجاه مالي، وأحيانا تطارد مالي هذه الجماعات، فليس هناك فواصل واضحة في الحدود.

وأشار جاكو إلى أن نتيجة الرغبة بين الدولتين في عدم التصعيد، جرى اتصال بين الرئيسين مؤخرا وتناول الاتصال الكثير من المشاركة بين الدولتين، أهمها تعزيز الوحدة والسلام والحفاظ على العلاقات التاريخية بينهما، مؤكدا أن الزيارة التي قام بها وزيرا خارجية ودفاع مالي إلى نواكشوط تصب في إطار عدم التصعيد والعمل من أجل السلام.

وقال إن موريتانيا من جانبها أعلنت أنها تصدق الرسالة المالية بأن ما حدث ليس متعمدا وأنه خطأ غير مقصود نتيجة المطاردة التي حدثت، مستبعدا حدوث أي تصعيد.

 

العين الإخبارية - صباح موسى

جديد الأخبار