
في موريتانيا يكلف الزواج عدة ملايين؛ أمام هذا الواقع المرير الذي خلف آلاف العوانس وآلاف الشبان العاجزين عن ضم نصفهم الآخر، أطلقت مجموعة من النشطاء الاجتماعيين الموريتانيين حملة تحت شعار «معا للحد من غلاء المهور».
وقارن نشطاء الحملة بين مهر المرأة الموريتانية البكر الذي لا يقل عن خمسة ملايين أوقية موريتانية (خمسة عشر ألف دولار) مع مهور نساء في دول أخرى، فلاحظوا أن مهر الفتاة البكر في جمهورية أوزبكستان المسلمة لا يتجاوز 45 ألف أوقية (125 دولارا) بينما في الهند تعمل المرأة لتجمع مهر زوجها، وتتقدم الفتاة في اليونان لخطبة الشاب أحيانا وتدفع المهر وتكاليف الزواج.
تأسيس الحراك
وأعلنت حركة «معا لمحاربة غلاء المهور» في بيانها رقم 1 «أنه بعد تفشي ظاهرة غلاء المهور المهلكة للحرث والنسل والتي باتت عقبة أمام الشباب الراغبين في الزواج بقدر استطاعتهم، وبعد أن أصبحت العادات والتقاليد في تكاليف المهر تضع الجميع أمام أمور ليست ضرورية للطرفين، قررت مجموعة من الشباب الموريتانيين تأسيس حراك لمحاربة هذه الظاهرة وتسليط الضوء على الجوانب السلبية في المناسبات والأفراح في المجتمع الموريتاني والتي تسببت في انتشار العنوسة».
وأضاف البيان إن حراك معا للحد من غلاء المهور، يسعى إلى تحرر المجتمع من عادات وتقاليد ونظرة مادية طاغية لا تمت للسلف الصالح بصلة، حيث جعلت المرأة وكأنها سلعة تباع بثمن غالي كالعقار ونحوه.
وزاد «ومن هذا المنطلق بات الشباب في المجتمع الموريتاني يعاني من البطالة وغلاء المعيشة وقلة الفرص، مما حتم علينا النظر في تلك الأمور ودراستها عن عمق وترك ما لا داعي له من عادات العرس، والاكتفاء بالمهر فقط على أن يكون مبلغه معقولا».
وأكد القائمون على الحراك أنه يسعى من أجل التفكير في وضع برنامج يتمثل في تنظيم ندوات توعوية ومبادرات في القرى ومدن الداخل إضافة إلى العاصمة بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني ورابطة الأئمة واتحاد العلماء.
حب المال
وذهب مدونون ساهموا في مناقشة الموضوع إلى «أن المجتمع الموريتاني مشكلته الأكبر أنه نسوي بمعنى أنه تتحكم فيه النساء ويسيرنه حسب رغباتهن ويفرضن ما يردن عن طريق العادات التي وضعنها وزرعنها في عقول الأجيال أنها قوانين مقدسة، وكذلك عزل الرجال عن كل الشؤون الأسرية عن طريق الاتهام بنقص الرجولة الذي يمطرن به كل من يقول أمام أفعالهن المشينة كلمة واحدة حتى لو كانت فقط اللهم إن هذا منكر فأنكرناه، حتى أصبح الرجال في مجتمعنا مجرد خشب مسندة».
خلاصة القول، يقول نشطاء الحراك المعارض لعلاء المهور، أن القضاء على غلاء المهور بشكل خاص وعادات المجتمع الشيطانية بشكل عام بسيط جدا والحل هو أن يكون في المجتمع رجال بمعنى الكلمة وكلمتهم هي العليا يتزوجون كما يريدون وكما يناسبهم لا كما تريد خطيباتهم ويزوجون بناتهم كما يريدون ويناسبهم لا كما تريد زوجاتهم.
انتقاد طقوس الزواج
وانتقد الحراك طقوس الزواج المصاحبة لمراسيم الخطبة حيث يقوم الخطيب بتقديم مبلغ معين وأحيانا تكون معه هدية مثل هاتف ثمين لأهل الخطيبة يكون عربونا مقدما بمناسبة الخطبة، وهذه العادة ظهرت في الآونة الأخيرة وقد تضرر منها الكثير، وحولت طقوس الزواج والخطوبة إلى عقد مادي فخم ظاهره المفاخرة والمباهاة وباطنه الجشع والطمع والبحث عن المادة دون النظر إلى الجوانب المهمة.
وأكد الحراك أنه سيواصل الحملة التوعوية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بصورة مستمرة.
حملة وأهداف
وأعلنت حملة معا للحد من غلاء المهور، أنها تسعى لتحقيق أهداف عدة بينها التخفيف من مظاهر الزواج والتكاليف وإجراءات الحفلات، والتخفيف من المهور، وعدم المغالاة فيها، وجعل ذلك بما يتناسب مع أحوال الشباب، وبخاصّةً في بداية حياتهم، وإرساء نظام تخصيص قروض للزواج، والحثّ على الزواج الجماعي في العائلة الواحدة، أو القرية الواحدة، وإقامة قاعاتٍ وصالاتٍ خيريّةٍ خاصّةٍ بالأعراس، وتأجيرها بأسعارٍ رمزيّةٍ؛ بما يغطي تكاليف الصيانة والخدمات الأخرى، وتقديم الدعم للمشاريع التي تقوم على مساعدة ومساندة الشباب في الأثاث والمواد الغذائية وغير ذلك ممّا يحتاجه الزوجان في بيتهما.
وشملت الأهداف كذلك نشر الثقافة والتوعية بجميع وسائل الإعلام المتاحة، ومن خلال الوزارات والدوائر الرسميّة المعنيّة بذلك، وعبر الخطب والدروس والمواعظ، مع إقامة مكاتبٍ خاصّةٍ للاستشارات الأسريّة، وللإصلاح المجتمعي؛ تخفيفاً من نِسَب الطلاق، وتوفيقاً وإصلاحاً بين الأطراف المتنازعة.
ومن أهداف الحملة حثّ الأغنياء على إخراج زكاة أموالهم، وإعطاؤها للمحتاجين، والفقراء والمساكين من المتزوجين، وإقامة أوقافٍ خَيريّةٍ؛ على أن يكونَ العائد منها مساعدةً ومساندةً للأزواج.
واقترح الحراك تكاليف زواج تشمل مهرا لا يزيد على 100 ألف اوقية قديمة (280 دولارا) وهاتف عادي من أندرويد ، وشهر عسل في مكان الزواج، ومأدبة أصحاب لأصحاب العريس لا تتعدى كبشين كحد أقصى؛ والمهم أن لا تتجاوز تكاليف الزواج كلها مبلغ 500 ألف اوقية قديمة، لكي يكون بمقدور الشباب من مختلف الطبقات الدخول في القفص.
خلفية المهر مادية
وقد أثارت هذه الحملة نقاشا واسع النطاق بين الكتاب والمدونين حيث أكد الدكتور أبو العباس برهام في معالجة لغلاء المهر «يبدو أنّ هذه مسألة يجرى عليها النقاش عربياً (لبنان ومصر) ومؤخّراً موريتانياً، وكلّه من منظور رفض غلاء المهور وتسهيل الزيجات، إﻻ أنّ المسألة أكثَر تعقيداً من ذلك؛ فالتقليد الإسلامي يختلِف عن التقليد المسيحي القاضي بتقاسُم الثروة الزوجية، لقد عثَر التقليد الإسلامي على وسيلة لخلق ثروة زوجيّة من خلال المهر».
وقال «يعتقِد الكثيرون أنّ المؤخّر هو تقليد مشرقي أو أنّه حَنَفي غير مالِكي، وحتّى في المشرق يذهب مؤرِّخون ومؤرّخات أمثال جوديث تَكَر إلى أنّه لم يصبِح معيارياً في الشرق الأوسط، وبالأخصّ في فلسطين ومصر وتركيا إﻻّ في القرن التاسِع عشر، ولكن بحثي يُظهِر أنّ تقليد المؤخّر، من خلال الصداق المُؤجّل وأحياناً المقترَض كان تقليدياً موريتانياً ومالكياً في القرن 19 الميلادي».
وتابع «المسألة الأخرى هي أنّ التقليد الزفافي الصحراوي كان يقوم على مقايضة عائلية معقّدة: فأب الزوجة يدفَع الجهاز ويقبِضُ الصداق ولكن الصداق المؤخّر كان حيلة الزوجة في ثروة ما بعد زفافيّة. اليوم ما زالت تقاليد قبض عائلة الزوجة للصداق مزدهِرة مع ضعف تقاليد الجهاز ومؤخّراً وجدت المجالِس القبلية والفقهاء ضرورة تسهيل الزواج بالتنازُل عن مبدأ شراكية رأس المال الزوجي وتقريباً تحويل الزواج إلى مُتعة لأن نسب الطلاق صارت مرتفِعة، وبالتالي لم يعد للطليقة، التي ليس لها حقّ النفقة فرصة في رأس مالٍ زواجي أو ما بعد زواجي».
وأكد الدكتور أبو العباس «أنّ الضغط من أجل تخفيض الثروة الزوجيّة لتسهيل الزفاف هو ضغط شبابي يوجد في معظَم الثقافات الشبابيّة المعاصِرة، ولكنّنا اليوم في معضِلة: إمّا أن يتم التخلي عن التقاليد القديمة في الضمانات المالية للزوجة وعيش حياة زوجية معاصِرة، تشاركية وغير مُتعيّة أو الاستناد على الضمانات التقليدية في الضمان الاجتماعي للزواج».
«ولكن ما يحدُثُ في مجتمعاتنا، يضيف أبو العباس، هو تحديث الزواج من خلال رفض التقاليد القديمة، ولكنّه ليس تحديثاً في واقِع الأمر لأنّ الزيجات صارَت قصيرة عمر، مزاجية ومُتعية، وتنتهي دوماً بطليقات مشرّدات بلا ثروة زوجية، بل إنّ مجتمعنا أعاد تعدّد الزوجات والزواج السريّ، الذي هو ظاهِرة أتَت مع الاستعباد».
وأضاف في آخر معالجته «معظَم من يطلُبون تحديث التقاليد ليسوا حداثيين في واقِع الأمر، فيجِب الحذَر!».
عبد الله مولود
القدس العربي»