
بدأ العد التنازلي لانطلاق بطولة كأس العرب في قطر، وقد شهدت الأيام الأخيرة إعلان المنتخبات العربية عن قوائمها النهائية المشاركة في البطولة وسط اختلاف بينها في نوعية اللاعبين ومستوياتهم. واختار البعض المشاركة بالمنتخبات الأولى مثل قطر وتونس ومصر والإمارات والعراق وإن غاب عنها المحترفون في الملاعب الأوروبية، فيما فضلت أخرى المشاركة بالمنتخبات الرديفة مثل السعودية والجزائر والمغرب.
تعود كأس العرب لكرة القدم للانطلاق بثوبها الجديد بدءا من الثلاثين من نوفمبر الجاري بعد غياب لتسع سنوات في ضيافة قطرية لستة عشر منتخبا تتواجه على ستة من الملاعب المونديالية الثمانية. وللمرة الأولى تقام البطولة تحت مظلة الاتحاد الدولي (فيفا) في نهائيات ستكون بمثابة “بروفة” مصغّرة لكأس العالم التي ستستضيفها الدولة الخليجية الصغيرة الغنية بالغاز في نهاية 2022 للمرة الأولى في الشرق الأوسط. وتم توزيع المنتخبات في النسخة العاشرة التي تختتم في الثامن عشر من ديسمبر، على غرار كأس العالم، على أربع مجموعات بعد خوض بعضها الأقل تصنيفا التصفيات، حيث يتأهل البطل والوصيف إلى ربع النهائي. وتقام المباريات على ملاعب البيت (الافتتاح الرسمي والنهائي)، أحمد بن علي، الجنوب، الثمامة، المدينة التعليمية و974.
وفيما تتفاوت مشاركة المنتخبات بين الصف الأول واللاعبين الأولمبيين، تسعى قطر لإحراز اللقب على أرضها للمرة الأولى في تاريخها من أجل مصالحة جماهيرها بعد خيباتها الأخيرة في التصفيات الأوروبية المؤهلة للمونديال حيث شاركت كمنتخب زائر. ووقع بطل آسيا 2019 الذي اكتسب خبرة كبيرة عبر المشاركة في بطولتي كوبا أميركا والكأس الذهبية لكونكاكاف في مجموعة تضم العراق الذي أعلن مدرّبه الهولندي ديك أدفوكات استقالته قبل أيام من قليلة من البطولة بعد تضاؤل حظوظه في تصفيات المونديال. كما تضم المجموعة سلطنة عمان والبحرين لتحمل نكهة خليجية.
وقال محمد مبارك المهندي لاعب قطر السابق “ما أخشاه صراحة هو الحساسية الكبيرة لمنافسات المجموعة الأولى. كل المباريات ستكون أشبه بمواجهات الديربي. سيكون تجاوز المجموعة مفتاح مواصلة مشوار ناجح”. ويغيب أبرز النجوم العرب عن البطولة، خصوصا الأفارقة المرتبطين مع أنديتهم الأوروبية، على غرار المصري محمد صلاح، الجزائري رياض محرز، التونسي وهبي الخزري أو حارس المرمى المغربي ياسين بونو.
***
المفاجآت واردة
اختلفت التوقعات كثيرا عقب إعلان القوائم النهائية للمنتخبات، إذ لم تكن تلك التوقعات تخرج عن ترشيح مصر والجزائر والسعودية وتونس والمغرب وقطر للمنافسة على اللقب العربي حال شاركت جميعها بالمنتخب الأول، حتى لو خلا من بعض الأسماء الناشطة في الملاعب الأوروبية، لكن الوضع بات مختلفا الآن. وعلى الورق، يُمكن القول إن دائرة المرشحين للفوز بكأس العرب 2021 لم تعد تضم سوى 4 منتخبات هي مصر وقطر وتونس والجزائر، مع منح أفضلية واضحة للمنتخب الخليجي خاصة مع المستوى الجيد جدا الذي قدمه في السنوات الأخيرة وامتلاكه لعدد من النجوم البارزين في الدوري القطري وعلى رأسهم المعز علي وحسن الهيدوس وأكرم عفيف. وما قد يصب في صالح القطريين كذلك، بخلاف لعبهم على ملاعبهم وبين جماهيرهم، غياب عدد من النجوم المؤثرين عن الثلاثي الأفريقي مثل محمد صلاح ووهبي الخزري وأحمد حجازي ورياض محرز.
غياب الصف الأول للمنتخبات العربية الكبيرة قد يؤثر سلبا على شعبية البطولة ومستواها الفني، لكنه في المقابل سيزيد من التنافس على التأهل إلى المراحل المتقدمة ومن ثم الفوز باللقب، إذ قد تمثل كأس العرب 2021 فرصة للعديد من المنتخبات لمصالحة جماهيرها ولتحقيق إنجاز قد يكون بمثابة نقطة انطلاقة جديدة بعد التراجع في السنوات الأخيرة، ونتحدث هنا عن منتخبات الإمارات والكويت والعراق وعُمان تحديدا.
كأس العرب التي ستنظم للمرة الأولى تحت مظلة الفيفا ستكون فرصة كذلك لبعض المنتخبات للتعبير عن نفسها مثل الأردن وسوريا والسودان ولبنان، ولإثبات أنها حاضرة على المستوى العربي، خاصة أنها حققت نتائج جيدة على المستوى القاري في الفترة الأخيرة. والخلاصة أن قطر تبقى المرشح الأول للفوز بكأس العرب، مع وجود فرص كبيرة لمصر وتونس والجزائر، لكن المفاجآت تبقى واردة في البطولة خاصة أن الرغبة والطموح موجودان لدى العديد من المنتخبات الجيدة جدا فنيا مما قد يؤهلها إلى لعب دور “الحصان الأسود”.
وفي المجموعة الثانية تبحث تونس عن لقب ثان بعد الافتتاحي عام 1963 بمواجهة منتخبين يعانيان في الدور النهائي من تصفيات المونديال في آسيا، الإمارات وسوريا، فيما تكمل موريتانيا عقد المجموعة بعد نهضتها الأخيرة وبلوغها النهائيات الأفريقية مرتين تواليا. ورغم أنه كان من مؤسّسي بطولة كأس العرب اكتفى المنتخب التونسي بمشاركتين، فقط ظفر خلالهما بلقب أول سنة 1963 وسيخوض الثالثة في قطر. وظفر نسور قرطاج بلقب النسخة الأولى التي أقيمت في بيروت عام 1963، حيث حقّق العلامة الكاملة حينها بأربعة انتصارات متتالية على سوريا 1 – 0 والأردن 4 – 0، والكويت 5 – 1 ولبنان المضيف 1 – 0.
أبرز النجوم العرب يغيبون عن البطولة، خصوصا الأفارقة المرتبطون مع أنديتهم الأوروبية على غرار محمد صلاح ورياض محرز
وكان المنتخب التونسي في تلك الفترة من بين الأقوى عربيا بإشراف المدرب الفرنسي أندريه جيرار وبقيادة عبدالمجيد الشتالي ورؤوف بن عمر الذي سجّل هدف الفوز في مرمى سوريا في المباراة الأولى للفريق والتي فتحت أمامه باب الانتصارات المتتالية. كما برز محسن حباشة ومحمد صالح الجديدي وحميد هنية والمنجي حدّاد الذي توّج هدافا للبطولة بأربعة أهداف. وحلّ المنتخب نفسه وصيفا لبطل أفريقيا سنة 1965 خلف غانا. وقال الشتالي في حديث صحافي إن النسخة الأولى شهدت تنافسا بين منتخب بلاده ونظيره السوري “حيث كان ينظر إلى الفائز كبطل للدورة وهذا ما حدث تماما”.
وغاب المنتخب الأحمر عن الدفاع عن لقبه في النسخة الثانية التي أقيمت في الكويت، وتكرّر الغياب حتى نسخة الأردن عام 1988 عندما عاد للمشاركة بمنتخب فاقد للبريق، على الرغم من وجود أسماء مميزة مثل نبيل معلول ومحمد علي المحجوبي ومراد العقبي ولطفي الرويسي والمخضرم طارق دياب.
إلاّ أنّ هذا الفريق الذي قاده المدرب توفيق بن عثمان لم يُكتب له تخطي الدور الأول بعد التعادل (1 – 1) في 3 مقابلات ضد العراق والسعودية ولبنان الذي كان قد تبددت آماله، وخسر أمام مصر 0 – 1 في مباراة قوية.
وأدار منتخب نسور قرطاج ظهره للبطولة العربية في باقي النسخ بسبب ارتباطاته الأكثر جدوى في كأس الأمم الأفريقية التي توج بلقبها عام 2004 وكأس العالم حيث تأهل في نسخ 1998 و2002 و2006 و2018. وسيعود إليها في نسخة قطر التي ستجرى بإشراف الفيفا حاملا الآمال بمشاركة قوية حدّد هدفها رئيس الاتحاد وديع الجريء بالوصول إلى الدور نصف النهائي على أقل تقدير مع تشكيلة قوية يقودها المدرب منذر الكبير. ووقع المنتخب التونسي في مجموعة ثانية تضمّ الإمارات وسوريا وموريتانيا.
***
هدف التتويج
من ناحية أخرى أكد مجيد بوقرة المدير الفني للمنتخب الجزائري للاعبين المحليين لكرة القدم أن فريقه يستهدف التتويج بلقب بطولة كأس العرب التي ستستضيفها قطر في الفترة من الثلاثين من نوفمبر الحالي وحتى الثامن عشر من ديسمبر المقبل. وقال بوقرة في مقابلة مع الموقع الرسمي للاتحاد الجزائري لكرة القدم “نتشوق لبداية بطولة كأس العرب، ستكون بالتأكيد منافسة رائعة وشديدة التنافس بين المنتخبات العربية وفي حضور الجمهور، فضلا على أنها ستقام على ملاعب كأس العالم”.
وأضاف “المواجهات العربية الخالصة دائما ما كانت تتسم بالندية والحماس. سنعمل كل شيء من أجل التتويج باللقب، رغم أن تحقيق هذا الهدف لن يكون سهلا في ظل مشاركة منتخبات قوية كمصر وتونس والمغرب، إضافة إلى العراق والإمارات ولبنان والسودان التي تشارك بمنتخباتها الأولى”. وتابع “فريقنا يملك الجودة والخبرة، ومتفائل بالعودة باللقب، سنلعب كل مباراة وكأنها نهائي البطولة مع احترامنا لكل المنافسين. قدوتنا سيكون منتخبنا الأول بطل أفريقيا، فلسفتنا وهويتنا في اللعب واضحتان، يبقى فقط الجانب التكتيكي الذي يتعين علينا التعامل معه”.
وأبرز بوقرة أن المنتخب الجزائري سيكون محط اهتمام الجميع، لافتا إلى أن هذا الأمر يستدعي التعامل بحكمة مع الضغوط التي ستفرض على اللاعبين والفريق ككل. كما دافع بوقرة عن خياراته بخصوص اللاعبين الذين سيشاركون في بطولة كأس العرب، موضحا أن مصلحة المنتخب الأول الذي يستعد للدفاع عن لقبه في الكاميرون مطلع العام المقبل استدعت الاعتماد على لاعبين ينشطون في البطولات العربية بدلا من الدوري الجزائري.
وأشار بوقرة إلى أن مشروعه مع المنتخب الجزائري للمحليين يتمثل في بطولة أمم أفريقيا للاعبين المحليين المقررة في الجزائر عام 2023، مشددا على أن خطابه مع اللاعبين كان واضحا منذ البداية، وأنه أبلغهم بذلك منذ أول معسكر. ودعا بوقرة وسائل الإعلام الجزائرية إلى عدم افتعال مشاكل مع اللاعبين الذين ينشطون في الدوري الجزائري على خلفية عدم اختيارهم للمشاركة في كأس العرب، مشيرا إلى أن ذلك لن يساعد المدرب أو اللاعبين أنفسهم في بطولة أفريقيا للمحليين.
من جهة أخرى توقع بوقرة أن يكون مونديال قطر 2022 بطولة رائعة من جميع الجوانب سواء كانت تنظيمية أو من حيث التسهيلات التي ستقدمها للجماهير التي لن تضطر إلى السفر لمسافات طويلة، مرجحا أن تكون بطولة كأس العرب نسخة مطابقة لكأس العالم. يذكر أن قرعة بطولة كأس العرب أوقعت الجزائر في المجموعة الرابعة إلى جانب منتخبات مصر، السودان ولبنان.
***
أزمات العرب
يشارك منتخب مصر في بطولة كأس العرب 2021، حيث وقع الفراعنة في مجموعة تضم الجزائر والسودان ولبنان. ووافق اتحاد الكرة المصري على المشاركة في البطولة وقت كان حسام البدري هو المدير الفني لمنتخب مصر، إلا أن الأخير رحل وتولى بدلا منه البرتغالي كارلوس كيروش المهمة. ورغم أن قرار مشاركة الفراعنة في البطولة بمنتخب من المحليين يضع الكرة المصرية في عدة أزمات، إلا أنه يمثل فرصة ذهبية للمدرب البرتغالي. وتتمثل الأزمة الأكبر من المشاركة عربيا في توقف بطولة الدوري المصري الممتاز لفترة تزيد عن 3 أسابيع، وهو ما يتسبب في ضغط جدول المباريات مما يلقي بظلاله على الفرق، خصوصا الرباعي المشارك في بطولات أفريقيا الأهلي والزمالك “دوري الأبطال”، المصري وبيراميدز “الكنفيدرالية”.
وحتى إذا ودع منتخب مصر البطولة من الدور الأول، لن تتمكن رابطة المحترفين من الاستفادة بالأيام المتاحة لإقامة مباريات، حيث استقرت عدة فرق على خوض معسكرات ووديات خلال فترة إقامة بطولة كأس العرب. وكانت فترة كأس العرب فرصة مثالية أمام رابطة الأندية لإقامة 4 جولات على الأقل من الدوري خلال فترة الـ18 يوما الخاصة بالبطولة، ما يعني الانتهاء من 12 جولة قبل كأس الأمم الأفريقية بالكاميرون.
في المقابل يخوض المنتخب المغربي المنافسات في المجموعة الثالثة بتشكيلة رديفة على غرار النسخة الأخيرة التي حمل لقبها في ظل غياب عدة نجوم بينهم المهاجم أيوب الكعبي أفضل لاعب في كأس أمم أفريقيا للاعبين المحليين 2018 التي أحرز لقبها على غرار عام 2020. وإلى جانب الأردن وجاره الفلسطيني، تشارك في هذه المجموعة السعودية بمنتخب رديف يغيب عنه المدرب الفرنسي هيرفيه رينار الذي أوكل المهمة إلى مواطنه لوران بونادي. وقال رينار الذي يقود الصقور الخضر بثبات نحو مونديال 2022 “فضّلت أن أقوم بدور إشرافي على اللاعبين المشاركين في كأس العرب كي أراقبهم عن كثب وأرى مدى احترافيتهم، وسبق وأن فعلت ذلك مع المنتخب المغربي عندما شارك في كأس أفريقيا للمحليين”.
وتشهد المجموعة الرابعة مواجهة بين الأولمبي الجزائري ومصر بقيادة مدربها الجديد البرتغالي كارلوس كيروش الذي يخوض المنافسات دون محترفيه في أوروبا على غرار صلاح نجم ليفربول الإنجليزي ومحمد النني لاعب أرسنال. ويكمل المنتخبان اللبناني والسوداني المجموعة.
العربي