
أربعة ناشطين في حركة الكامور، جميعهم عاطل عن العمل، أمام شاحنة جيس في مدينة تطاوين، جنوبي تونس. 27 أغسطس/آب 2021. © مهدي شبيل
حظي قرار الرئيس قيس سعيّد في 24 أغسطس/آب تمديد تجميد أعمال البرلمان بتأييد غالبية السكان في الجنوب التونسي، الذي كان سابقا معقلا لأنصار حزب النهضة الإسلامي. لكن شعبية الرئيس لا تكفي لتبديد المخاوف والصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة، خاصة أن موجات الهجرة غير الشرعية لدى الشباب نحو أوروبا لا تزال مستمرة.
إعلان
بعيدا عن زخم العاصمة تونس ومعتركها السياسي، يستمر النشاط الكثيف بميناء جرجيس كعائدته في نهاية شهر أغسطس/آب وسط درجات حرارة عالية. فهنا، يشتغل العمال بورشات قوارب الصيد التي يحاذيها حطام قوارب تشهد على نشاط مواز بهذه المدينة في الجنوب التونسي وهو الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
ويقول أحد مسؤولي ورشات العمل إن "سياسة منع الشباب من السفر ليست الحل"، في إشارة إلى المئات الخاضعين لقيود إدارية". ويضيف: "إن الدول الأجنبية لا تفهم ما يجري بتونس، وبالتالي فهم سيترددون قبل الاستثمار هنا"، مشددا على أن "قيس سعيّد مطالب بمحاربة الفساد لكن أن يقوم بذلك عندما تكون مؤسسات الدولة شغالة".
شاب يهتم بصيانة قارب صيد في ميناء زرسيس. 28 أغسطس/آب 2021. © مهدي شبيل
ورغم شعبية الرئيس التونسي بالمنطقة الجنوبية، إلا أن ذلك لم يمنع الآلاف من المجازفة والمغامرة في المتوسط من أجل الهجرة إلى أوروبا بصورة غير شرعية. فقد أفادت إحصاءات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن عدد الأشخاص الذين حاولوا الهجرة في شهر يوليو/تموز يقارب 15 ألفا، مشيرا إلى أن نصفهم بلغوا سواحل إيطاليا فيما عاد النصف الآخر للبلاد بعد أن وقعوا في "شباك" حرس الحدود التونسي.
نسبة الهجرة معقولة حتى الآن...
وقد أثارت مسألة الهجرة غير الشرعية (نحو أوروبا) جدلا كبيرا في نهاية يوليو/تموز بين الرئيس قيس سعيّد وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، إذ صرح الأخير لصحيفة "كوريري ديلا سيرا" (بمعنى يومية المساء) الإيطالية أنه "في حال عدم استرجاع الديمقراطية في أسرع وقت، سنغرق في الفوضى". وتابع قائلا: "الإرهاب سيزداد وعدم الاستقرار سيدفع الناس لمغادرة البلاد بكل الأحوال، وقد يسعى أكثر 500 ألف تونسي للاتجاه نحو سواحل إيطاليا".
لكن المدافعين عن حقوق الإنسان في تونس يعزون ارتفاع عدد الراغبين بالهجرة إلى ما يسمونه "انتهازية المهربين" وليس للوضع السياسي الراهن في البلاد. فقد اعتبر منجي سليم، وهو رئيس الهيئة الجهوية للهلال الأحمر بمحافظة مدنين المحاذية لليبيا (جنوب شرق) أن كثافة قوافل الهجرة غير الشرعية يمكن تفسيرها بتحسن الأحوال الجوية وتجاوز العقبات التي فرضها تفشي وباء كوفيد-19 خلال الأشهر الماضية والتي أثرت على حركة الهجرة عبر المتوسط.
وقال سليم إن عزم الرئيس سعيّد على محاربة الفساد أعاد الثقة والأمل للعديد من الشباب في الجنوب التونسي.
شمس الدين مرزوق صياد متقاعد في زرزيس، وهو معروف بما سماها "مقبرة المجهولين" حيث دفن العديد من الذين قضوا غرقا بالمتوسط وغير مطلوبين من عائلاتهم. وقد صدم في 14 أغسطس/آب عندما علم بأن زوجته واثنان من أحفاده قد أبحروا سرا بتجاه إيطاليا. © مهدي شبيل
وضع اجتماعي مزري
في طريقنا من زرسيس إلى تطاوين، الممتدة على مسافة 100 كلم، شهدنا الفارق الاقتصادي والاجتماعي وحتى المناخي المختلف جذريا بين الساحل المفتوح على التجارة والخارج، والداخل التونسي بأوضاعه المزرية. المفارقة، كما يوضح منسق الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد في تطاوين سعيد بن زايد، في هذه المنطقة "نسبة العاطلين عن العمل مرتفعة (نحو 32 في المئة) رغم ثرواتها الطبيعة المتعددة (في مقدمتها النفط والجبس)".
ويقضي الشباب في هذه المدينة وقته بالمقاهي أو ناشطا بالحركات الاجتماعية، مثل حركة الكامور التي ظهرت في 2017 ثم في 2020 مطالبة بتوظيف عائدات النفط لخلق فرص العمل وتنمية المنطقة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حصلت هذه الحركة التي تميزت بهيكليتها اللامركزية، على وعود رسمية بخلق الوظائف ومشاريع الاستثمار، لكنها ظلت حبرا على ورق. لكن الأمل عاد لسكان تطاوين بعد قرار الرئيس سعيّد تجميد عمل البرلمان في 25 يوليو/تموز الماضي.
هذا البورتريه في مدخل تطاوين للشاب أنور السكرافي الذي قتل في 2017 خلال حركة الكامور، باسم هذه البلدة الواقعة 110 كلم جنوبي تطاوين. © مهدي شبيل
"عبقرية علاء الدين"
واعتبر عديد الشباب قرارات الرئيس مؤشرا إيجابيا عن تغير الوضع في البلاد. وقال محمد دغنيش، وهو عاطل عن العمل في سن 34 "أنا واثق في قيس سعيّد، سوف يتمكن من تغيير الأمور". وقال أحد أصدقائه الأربعة حوله، أنيس عربي: "شعبية الرئيس ستساعده على تخطي كل العقبات (...) فقد انبثق بعبقرية علاء الدين" (في إشارة إلى علاء الدين والمصباح السحري).
وما يطمئن هؤلاء العاطلين أن سعيّد لا ينتمي لأي حزب سياسي، فضلا عن شخصيته الصارمة التي غالبا ما يربطها كثيرون بالنزاهة. وقالوا إن مناصب الشغل التي تم إنشاؤها عقب المفاوضات مع الحكومات السابقة استفاد منها أنصار حزب النهضة.
ورغم هذا الدعم المعلن للرئيس التونسي، إلا أن منسقي حركة الكامور لا يستبعدون استئناف الوقفات الاحتجاجية في حال لم تحقق الوعود. فقد شدد منسق حركة الكامور طارق حداد في فيديو منشور على مواقع التواصل في 30 يوليو/تموز على أن "الناشطين لن يتخلوا عن حقوقهم مهما كان من يحكم". وتابع قائلا: "نددت منذ البداية بذلك القطيع الذي يمشي وراء النهضة، ولن نسمح بتشكل قطيع جديد يمشي وراء قيس سعيّد".
منسق الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد في تطاوين، سعيد بن زايد، كان أحد طلاب الأستاذ.. قيس سعيّد. قال لفرانس24 إن الرئيس سيهتم بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية فور تخلصه من الأزمة السياسية. © مهدي شبيل
رأي عام متذبذب
وقد أكد عدة مراقبين أن الدعم الكبير الذي يحظى به الرئيس سعيّد في الجنوب التونسي هو في الحقيقة هش، مبررين تحليلهم بتذبذب الرأي العام بالمنطقة. فعلا سبيل المثال، قال النائب في البرلمان (عن مدينة مدنين) مبروك كرشد، وهو أحد الداعمين لقرارات سعيّد الأخيرة، إن الصحة الاقتصادية للمنطقة الجنوبية مرهونة بالنشاط التجاري على الشريط الحدودي مع ليبيا. لكن، كما أضاف، "وباء كوفيد-19 وعدم الاستقرار السياسي من شأنها منع فتح الحدود".
واعتبر العضو في حزب "تحيا تونس"، والذي كان ضمن التشكيلة الحكومية خلال المفاوضات مع ناشطي الكامور، أن "سعيّد سيواجه صعوبات للتوصل إلى اتفاق مع الحركة إذ أنها حركة جهوية مسيسة للغاية، فبالنسبة لهؤلاء الناشطين عائدات النفط يجب أن تعود لتطاوين".
حطام قوارب ميناء جرجيس كانت تقل مهاجرين غير شرعيين لإيطاليا واعترضها خفر السواحل التونسي. © مهدي شبيل
من جانبه، أشار المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إلى أن القضايا الاجتماعية من شأنها أن تشكل عائقا أمام سعيّد إذ أن الشباب الذين يدعمونه قد ينقلبوا ضده في حال عدم تحقق الوعود التي قضاها".
مهدي شبيل/ علاوة مزياني