تدفق مهاجري المغرب إلى سبتة مستمر

أربعاء, 19/05/2021 - 23:43

لفت مشاهد تدفق آلاف المهاجرين من المغرب إلى مدينة سبتة، خلال الأيام الأخيرة، صدمة شعبية بعد تناقل صور وفيديوهات لأشخاص، من بينهم قاصرون، يحاولون العبور، سواء سباحة، أو مشياً، ووصل نحو 6 آلاف مهاجر خلال فترة قصيرة إلى سبتة الواقعة تحت السيطرة الإسبانية، ما استدعى استنفاراً أمنياً من قبل مدريد، وكان لافتاً رواج هواجس في الأوساط الحقوقية والسياسية المغربية من تزايد أعداد المهاجرين، ما دفع كثيرين إلى طرح أسئلة حول الأسباب الكامنة وراء تفاقم الظاهرة بشكل غير مسبوق.
يقول محمد الغزواني، وهو أحد الشبان الذين وصلوا إلى سبتة سباحة انطلاقاً من مدينة الفنيدق المغربية: "المهم هو الوصول إلى الشاطئ الآخر بأيّ ثمن، تفشل المحاولة، فأكررها مجدداً بالرغم من كلّ المخاطر"، مشيراً إلى قرار السلطات الإسبانية بإعادته إلى الأراضي المغربية. ويضيف الغزواني، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "منذ إغلاق معبر سبتة، لم يعد عندي مصدر رزق، إذ اضطر تاجر المواد المهربة الذي أعمل معه إلى إغلاق محله، وأعلن إفلاسه. زاد الوضع حدة مع الإقفال بسبب تفشي فيروس كورونا، فلم أعد أجد ما أعيل به نفسي وأسرتي في ظل عجز السلطات عن توفير فرص عمل لمئات الشباب العاطلين من العمل، وبالتالي لم يعد أمامنا غير الهجرة".
ومنذ قرار السلطات المغربية، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، إغلاق معبر "باب سبتة" أمام تجار السلع المهربة، تضررت مدينة الفنيدق بشكل كبير، وطاولت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية معظم الفئات، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات في فبراير/ شباط الماضي، كما دفعت الأزمة شخصيات بارزة في المنطقة إلى توجيه نداء للحكومة المغربية من أجل إنقاذ المدينة من الأزمة التي خلفها إغلاق المعبر، والذي تزامن مع تداعيات جائحة كورونا.
يمتهن مئات المغاربة تهريب السلع من مدينتي سبتة ومليلية، الخاضعتين للإدارة الإسبانية، إلى داخل المغرب؛ وخلال الأسابيع الماضية، عملت السلطات على مضاعفة تحركاتها لاحتواء الأوضاع من خلال عقد لقاء مع مسؤولي منطقة الفنيدق لدراسة البدائل الممكنة، كما أعلنت عن إطلاق برنامج لـ"تفعيل آليات الدعم والمواكبة من أجل تحسين قابلية التشغيل، وتحفيز ريادة الأعمال للفئات الهشة، وخاصة النساء والشباب". غير أنّ تلك الإجراءات لم تفلح، كما يبدو، في حلّ معضلة البطالة التي تفاقمت.
يقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان (غير حكومي)، محمد بنعيسى، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مشاهد تدفق المهاجرين تكشف عن أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، وهي أزمة ليست في تلك المنطقة التي كانت تعرف نشاط التهريب، وإنّما في البلاد ككلّ، كما تؤشر إلى فقدان الأمل في التغيير لدى الشباب الذين يقررون الهجرة".

وبحسب دراسة أجراها المرصد، فإنّ "85 في المائة من شباب المغرب يرون أنّ وباء كورونا زاد من تكريس الفوارق الاجتماعية، و18 في المائة يعتبرون الهجرة هدفاً مستقبلياً، فيما أشار 38 في المائة إلى أنّ هدفهم هو إتمام الدراسة، وقال 17 في المائة إنّهم سيحاولون تأسيس مشروع مهني خاص إذا توفر الدعم، و13 في المائة سيبحثون عن وظيفة في القطاع العام".
وتسبب تفشي فيروس كورونا في أزمات خطيرة أثرت على آلاف العمال، وخصوصاً في المصانع والمقاهي والمتاجر، بعدما توقفت تلك الأعمال، لكنّ الأثر الاقتصادي الأشدّ للجائحة، والذي تزامن مع إغلاق المعبر، لحق بالعاملين في القطاع غير المنظم، ممن يزاولون مهناً متواضعة الدخل في الأغلب، لا تتيح لهم القدرة على الادخار.
ويلفت محمد بنعيسى إلى أنّ موجة الهجرة غير المسبوقة نحو مدينة سبتة تفوق بمراحل كبيرة الانتعاش السنوي المعتاد لمحاولات الهجرة خلال الفترة بين مايو/ أيار وسبتمبر/ أيلول، والتي تعتمد على تحسن الأحوال الجوية التي تساعد في نجاح عمليات الهجرة عبر البحر، أو تخفض من مخاطرها.
ويرى رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، عادل تشكيطو، أنّ تفاقم ظاهرة الهجرة إلى سبتة "يؤكد الفشل الذريع للسلطات المغربية في التعاطي مع مطالب السكان، واكتفائها بتقديم حلول تسويفية لا يمكنها أن تملأ طنجرة البسطاء من أبناء المنطقة، أو تحفظ كرامتهم، أو تمكنهم من إعالة عائلاتهم". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "تعامل السلطات مع الاحتجاجات بمقاربة أمنية، أو الحديث عن حوار على قاعدة الحلول التي يمكن تنفيذها على المدى المتوسط، سيزيد من تأزيم الوضع وتعميق هوة أزمة انعدام الثقة، كما هو الحال الآن".

جديد الأخبار