لم يكن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز يتوقع هذه النهاية التراجيدية لمسيرته السياسية حينما دعم في العام 2019 وصول رفيقه محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم.
أسدل الستار في موريتانيا على المسيرة السياسية للرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، بعد إدانته في القضية المعروفة بـ”ملف فساد العشرية” والتي تتعلق بغسيل أموال وإثراء غير مشروع.
وقضت المحكمة المختصة في قضايا الفساد والجرائم الاقتصادية بسجن ولد عبدالعزيز لمدة خمس سنوات نافذة ومصادرة حقوقه المدنية، وبغرامة تعادل مثلي المبالغ محل جريمة غسيل الأموال، ومصادرة أملاكه وضمها إلى خزينة الدولة.
واعتبر منسق فريق الدفاع عن الرئيس السابق، المحامي محمدن ولد إشدو، أن الحكم الصادر بحق موكله سياسي بامتياز، وهو يستهدف بشكل واضح الرئيس السابق وأسرته، حتى إنه يشكل خطرا على العدالة والبلد، وفق تقديره.
وكان الادعاء العام في موريتانيا طالب بالحكم على ولد عبدالعزيز بـ”السجن 20 عاما ومصادرة الممتلكات المتحصل عليها من العائد الإجرامي، وغرامة مالية”، وبالحكم بالسجن عشر سنوات بحق المتهمين رؤساء الوزراء السابقين يحيى ولد حدمين، ومحمد سالم ولد البشير والوزراء السابقين الطالب ولد عبدي فال، ومحمد عبدالله ولد أدواعه وغرامة مالية قدرها 10 ملايين أوقية جديدة، نحو (260 ألف دولار) ومصادرة الممتلكات “المتحصل عليها من العائد الإجرامي” ، لكن المحكمة قضت ببراءتهم من التهم المنسوبة إليهم.
محمدن ولد إشدو: الحكم الصادر بحق الرئيس السابق سياسي بامتياز
محمدن ولد إشدو: الحكم الصادر بحق الرئيس السابق سياسي بامتياز
ويتجه فريق الدفاع عن ولد عبدالعزيز لاستئناف الحكم الصادر في حقه، والدفع بالقضاء إلى إعادة النظر في الملف وفق ما سيتم الكشف عنه من معطيات جديدة يستند إليها المحامون في مسعاهم إلى تبرئة موكلهم.
ويرى مراقبون أن ولد عبدالعزيز (67 عاما ) فقد أي إمكانية لاستئناف نشاطه السياسي، وأن الحكم الصادر بحقه يمثل اغتيالا معنويا ونهاية تراجيدية لمسيرة ضابط انقلابي ورئيس حاول أن يحمي نفسه بترشيح وزير دفاعه محمد ولد الشيخ الغزواني للسباق الرئاسي بدلا عنه، ليجد نفسه أول ضحايا هذا الاختيار بسبب ما عرف بأزمة مرجعية الحزب الحاكم بعد محاولته العودة إلى الساحة السياسية من بوابة الحزب الحاكم وهو ما رفضته أغلبية أعضاء اللجنة القيادية لإدارة الحزب، التي أعلنت ولاءها وانحيازها لولد الشيخ الغزواني بصفته الرئيس المباشر.
ووجهت لولد عبدالعزيز الذي حكم موريتانيا في الفترة من 2009 حتى 2019، اتهامات بالفساد والإثراء غير المشروع وغسيل الأموال، بناء على تقرير أعدته لجنة برلمانية عام 2020، وأحالته إلى وزارة العدل التي أحالته هي الأخرى إلى القضاء.
ويتمسك ولد عبدالعزيز بالمادة 93 من الدستور الموريتاني التي يقول إنها تمنحه الحصانة بصفته رئيسا سابقا للبلاد.
وخلال المداولات قال الرئيس السابق أمام المحكمة إن الملف سياسي بوقائعه وتفاصيله، و”بدأ في نوفمبر 2019 بعد رجوعي بأيام، انفجرت قضية المرجعية، وتم التصنت على مكالماتي، وبعدها جاء تشكيل اللجنة البرلمانية دون أي سند أو أساس شرعي، لأن الجمعية الوطنية انتخبت 2018، والقضايا الموجودة في الملف سبقت وجودها، وحصلت في عهدة البرلمان الذي سبقها، والقانون الذي اعتمدوا عليه (يقصد النظام الداخلي للبرلمان) تم بعد هذه المهازل”.
وأضاف “لا توجد أي مادة دستورية تخول الجمعية الوطنية التحقيق مع رئيس الجمهورية، وهم ربما يكونون قد اقتبسوا ذلك من الفقرة الثانية من المادة 51 من الدستور الفرنسي، هذا لأن الدستور الموريتاني لا يوجد فيه أي شيء عن تشكيل اللجان، وما حصل تدخل سافر في عمل السلطة التنفيذية، فالجمعية الوطنية أصبحت تتدخل في صلاحيات عمل الرئيس وفق المادة 43، وتتدخل في أولويات عمل الحكومة، وهذا مخل بمبدأ فصل السلطات”.
ولد عبدالعزيز يتمسك بالمادة 93 من الدستور الموريتاني التي يقول إنها تمنحه الحصانة بصفته رئيسا سابقا للبلاد
وأردف الرئيس السابق “بعيد وصول الملف إلى الشرطة أولا، وإلى العدالة لاحقا، تحولت كل الإنجازات التي تمت خلال العشرية إلى تهم، وقد أخذوا جميع التهم الواردة في قانون محاربة الفساد، واتهموني بها، بل إن أحد قضاة التحقيق قرأ كل التهم من هذا القانون حتى وصل إلى التهم المتعلقة بالمخدرات، قبل أن ينتبه، ويعترف بأن في الأمر خطأ، وكان ذلك أمام المحامين”.
وفي مفاجأة صادمة، قال ولد عبدالعزيز إن 60 إلى 70 في المئة من ثروته التي لم يصرح بها مصدرها الرئيس الحالي ولد الغزواني، حيث سلمه كميات من العملة الصعبة في صناديق خاصة، كما أعطاه لاحقا 50 سيارة عابرة للصحراء.
وأوضح أنه لم يكن ينوي الكشف عن مصدر هذه الأموال، وقد تكتم عليها كثيرا، لكن ما دام هناك إصرار على كشفها، وخصوصا من المحامين فإنه سيكشف عنها، زاعما أن الرئيس الحالي جاءه يوم الثاني من أغسطس ليلا وسلمه صندوقين أحدهما أبيض وفيه 5.5 مليون دولار، والآخر رمادي، وفيه 5 ملايين يور، من فئة 200، لافتا إلى أن الدولار كان من فئات قديمة.
وبلغت ممتلكات الرئيس السابق التي تم كشفها خلال البحث الابتدائي قرابة 30 مليار أوقية قديمة (حوالي 87 مليون دولار)، فيما أكدت الخلاصات أن التحقيق القضائي اللاحق على البحث الابتدائي كشف المزيد من الأموال.
وتولى ولد عبدالعزيز رئاسة موريتانيا من 2009 إلى 2019، لكنه لم يترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني والعشرين من يونيو 2019، وإنما مهد الطريق أمام الرئيس الحالي الشيخ الغزواني الذي انتخب في الثاني والعشرين من يونيو 2019 رئيسا للبلاد، على أن يعود لاحقا لاستئناف مسيرته السياسية.
وفي نوفمبر 2019 ترأس ولد عبدالعزيز اجتماعا لحزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، وبعد أيام، وقّع العشرات من نواب البرلمان عريضة عبروا فيها عن رفضهم لمحاولة ولد عبدالعزيز الهيمنة على الحزب، ليتم تشكيل لجنة من البرلمان عهد إليها سنة 2020 بإجراء تحقيق في فترة حكم الرئيس السابق وهو ما تم بالفعل
الحبيب الأسود
صحيفة العرب