هل عادت أشباح المواجهة بين موريتانيا و"القاعدة"؟

جمعة, 24/03/2023 - 18:00

انحسر وجوده تنظيم "القاعدة" على الأراضي الموريتانية وإن ما زال يطل برأسه عبر الحدود مع مالي (موقع الجيش الموريتاني)

عاش الموريتانيون نهاية الأسبوع الأول من شهر مارس (آذار) الجاري أحداثاً دامية أعادت للذاكرة سنوات المواجهة مع تنظيم "القاعدة" خلال الفترة ما بين عامي 2005 و2011.

وعلى رغم انتهاء قصة فرار المدانين الأربعة في قضايا إرهاب بمقتل ثلاثة منهم شمال البلاد وأسرّ الرابع، إلا أن مشهد تشييع جثامين أفراد القوات المسلحة أحيا ذكرى سنوات أليمة عرفها الموريتانيون خلال سنوات الإرهاب، والتي لم تندمل جراحها بعد في نفوس كثير ممن فقدوا ذويهم في الحرب مع تنظيم "القاعدة" الذي انحسر وجوده على الأراضي الموريتانية، وإن ما زال يطل برأسه من الجارة الشرقية للبلاد، إذ ينشط أفراده شمال مالي التي أنهكتها سنوات التطرف وانعدام التنمية والفقر وانشغال الدولة المركزية في باماكو بصراعات إثبات الوجود لحليف الأمس وعدو اليوم فرنسا.

وبعيد إعلان القضاء على الإرهابيين الفارين قال وزير الداخلية الموريتاني محمد أحمد محمد الأمين إن "الأجهزة الأمنية عاكفة على درس جميع الثغرات بعد فرار أربعة سجناء سلفيين من السجن المركزي بنواكشوط"، مضيفاً أن "إجراءات أمنية ستتخذ في المستقبل".

 

خطر قائم

وطرحت حادثة السجن المدني في نواكشوط أسئلة كبرى حول خطورة التحديات الأمنية التي تشكلها الجماعات المسلحة على البلاد، سواء تعلق الأمر بظروف سجن المدانين الخطرين من هذه الجماعات، أو ما يتعلق بخيوط التواصل المحتملة مع حاضناتها الفكرية والتنظيمية المتاخمة لموريتانيا.

ويرى المتخصص في قضايا أفريقيا جنوب الصحراء محفوظ السالك أن "المسار الذي اتخذته عملية الفرار وحيازة السلاح والتنسيق مع بعض الإرهابيين في مالي من خلال إدخال سيارة لتهريبهم، جميعه يشي بالخطر الذي يمثله هؤلاء داخل السجون وخارجها".

ويضيف السالك، "لعل استحضار النشاط المكثف للجماعات الإرهابية على الأراضي المالية قرب الحدود مع موريتانيا خلال الأشهر الماضية يعطي بعض الإشارات في هذا الخصوص".

 

بينما يرى المتابع لقضايا أمن منطقة الساحل الأفريقي إسماعيل الشيخ سيديا أن الحادثة الأخيرة "ليست عملية تنظيمية بالمعنى العسكري والإستراتيجي، إذ لم تدخل موريتانيا في منطقة عمليات التنظيم حتى الآن وتتركز على المثلث الحدودي بين بوركينا فاسو والنيجر ومالي".

ويذهب الشيخ سيديا إلى أن "تنظيم ’القاعدة‘ في مالي تتعذر مشاركته في العملية من الناحية التكتيكية، نظراً إلى أنه جزء من التنظيم الذي لا يعتبر موريتانيا عدواً في بياناته بسبب عدم مشاركتها في الـ ’مينيسما‘ وهي بعثة القبعات الزرق في مالي".

ويؤكد الصحافي سيد محمد بلعمش أن "تنظيم ’القاعدة‘ في ما يبدو على صلة بالسجناء الذين فروا من سجن نواكشوط، وقد مدهم بالوسائل المادية واللوجيستية ووضع خطط العملية، وربما أعطاهم الأوامر بقتل كل من يعترض طريقهم".

 

يقظة أكثر

ويشير السالك إلى أن الوضع الحالي "يستدعي يقظة أكبر من موريتانيا حتى تظل الاستثناء المستقر في محيط إقليمي مضطرب، فالجماعات الإرهابية تنتهج دائماً مسار التوسع والانتشار".

وعلى رغم أن العملية لم يمض عليها وقت كبير فإن أخبار توقيف السلطات الموريتانية لعشرات الأشخاص الذين يعتقد أنهم على صلة فكرية بالتنظيمات المسلحة فسره متابعون على أنه إستراتيجية جديدة ستعتمدها السلطات الموريتانية في ضوء المتغيرات التي أحدثتها عملية السجن المركزي.

وتعول نواكشوط على يقظة المواطنين في التعامل مع القضايا الإرهابية، بخاصة أن السجناء الذين قتلوا في مواجهات مع الأمن الموريتاني كان قد أبلغ عنهم راع موريتاني من محافظة آدرار الشمالية.

وأشار وزير الداخلية في تصريح له بعد مقتل الإرهابيين إلى أنه "لا توجد منظومة أمنية يمكن أن تبنى من دون دور المواطن أو إشراكه، لأنه هو الموجود في الريف وعلى الحدود وفي المتاجر والمساجد، لذا فإن الأمن مرتبط بالمواطن وبدوره وقربه من الأجهزة الأمنية"، وفق تعبير الوزير.

 

الدولة الاستثناء

واحتفظت موريتانيا خلال العقد الماضي بصفة الدولة المستقرة سياسياً والخالية من التهديدات الأمنية، على رغم أنها تقع في بؤرة تتنازعها الأخطار التي عصفت بدول جنوب الصحراء الأفريقية، بخاصة في مالي وبوركينافاسو والنيجر، وهذا الاستثناء فسره مراقبون خلال السنوات الماضية بفرضية "المتاركة"، ومفادها أن موريتانيا ضمنت عدم زعزة أمنها من طرف الجماعات المسلحة في المنطقة بشرط تركها تلك الجماعات التي تنشط أساساً شمال مالي وغير بعيدة من الحدود الموريتانية، وعلى رغم أن هذه الفرضية لا تستند إلى وقائع مثبتة فإن الحقيقة الماثلة للعيان هي خلو سجل موريتانيا من مواجهات مع هذه الجماعات الخطرة.

وفي هذه الجزئية يشير السالك إلى أن "هناك متغيرات سياسية وأمنية في منطقة الساحل تستدعي يقظة أكبر، ومنها انسحاب فرنسا عسكرياً من مالي وبوركينافاسو في مقابل الحضور المتعاظم لروسيا".

ومما يستدعي يقظة أكثر وجود عوامل طارئة منها "أن ثلاثاً من الدول الأعضاء في مجموعة الساحل الخمس، قبل أن تنسحب منها مالي، وتترأسها موريتانيا الآن، تحكمها أنظمة عسكرية انتقالية (مالي وبوركينافاسو وتشاد)، وانشغال هذه الأنظمة بالجوانب السياسية فاقم هجمات الجماعات الإرهابية وأسهم في توسع نشاطاتها، أما الدولة الرابعة وهي النيجر فعلى رغم استقرارها السياسي إلا أن معظم حدودها مهددة سواء مع مالي أو بوركينافاسو أو نيجيريا أو ليبيا أو بنين".

اندبندنت عربية

أقريني أمينوه مراسل 

جديد الأخبار