رائدات أعمال موريتانيات يسابقن الزمن لتعزيز استقلالهن الاقتصادي

سبت, 11/03/2023 - 13:32

نواكشوط – خلعت تانيت (30 سنة) سترتها البيضاء التي عملت بها في المستشفى طوال سنوات، ولم يعد شيء آخر يشغلها عن عالم التجارة والصناعة. غادرت خريجة علوم البيولوجيا قاعات فحص الدم لخوض مغامرة جديدة، واتجهت نحو سوق العاصمة الموريتانية نواكشوط بحثا عن دخل أفضل يضمن لها تأمين مستقبل أكثر إشراقا لأبنائها الثلاثة وأسرتها الصغيرة.

التحقت تانيت قبل أكثر من سنتين بمثيلاتها في "المجلس الموريتاني لسيدات الأعمال"، وانضمت إلى نحو ألفي رائدة أعمال في بلادها. وحالفها الحظ حين وفّر لها المجلس قرضا من وزارة الأسرة والعمل الاجتماعي بقيمة 4 ملايين أوقية (نحو 115 ألف دولار)، واختارت إنشاء مؤسسة هي الأولى من نوعها في البلاد لصناعة العطور وتعليبها.

 

تانيت اختارت إنشاء مؤسسة هي الأولى من نوعها في البلاد لصناعة العطور وتعليبها (الجزيرة)

تقيم السيدة الموريتانية في حي لكصر وسط نواكشوط، وتكابد مشقة التنقل يوميا إلى محلها في السوق المركزية. وهي مرتاحة في عملها الحر، على الرغم من الصعوبات وساعات الدوام الطويلة، من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء.

تانيت التي تطمح إلى تطوير مشروعها وفتح فروع له في المستقبل تقول للجزيرة نت "أنتج شهريا نحو 100 علبة متوسطة من المسك، أستورد مادته من تونس وزجاجه من تركيا، وأستعين بخبراء هنا في صناعته".

وتعدّ هذه المستثمرة واحدة من آلاف السيدات الناجحات في موريتانيا، إلا أنهن يطالبن بتوفير دعم في مجال ريادة الأعمال.

وتمثل النساء، وفق الإحصاءات الرسمية، نصف سكان موريتانيا. وعلى الرغم من ارتفاع نسبتهن في الوظائف الإدارية والسياسية، فإنهن يعانين من عدم تكافؤ الفرص مع الرجال في مجال التجارة والصناعة وريادة الأعمال عموما.

ومع ذلك استطاعت الناشطات في "المجلس الموريتاني لسيدات الأعمال" بناء قاعدة عريضة لريادة الأعمال النسائية في البلاد، في مجالات الزراعة والصناعة… وغيرها.

 

اختراق مجالات متنوعة

من الشركات والمحال التجارية الكبيرة الناشطة في مجال توريد الملابس ومستلزمات النساء والأطفال، إلى الورش الصناعية والمتاجر الصغيرة والشواطئ والمداجن وحتى التنقيب عن المعادن؛ مجالات متعددة ومتنوعة اقتحمتها المرأة الموريتانية بجرأة ولم تمنعها أعباؤها التربوية في المنزل من التميّز فيها.

تقول فاطمة سيد محمد الفيل، رئيسة "المجلس الموريتاني لسيدات الأعمال" وعضوة غرفة التجارة والصناعة والزراعة الموريتانية، إن نساء المجلس استطعن في السنوات الأخيرة، من خلال تنظيم دورات تدريبية بالتعاون مع الشركاء الدوليين والمحليين، الاستثمار في مختلف المجالات الإنتاجية وشق طريقهن بنجاح في ميدان ريادة الأعمال.

وتضيف فاطمة في حديثها للجزيرة نت "أنشأنا مشاريع ومؤسسات رائدة، من بينها مصنع لسمك السردين بتمويل مقداره 130 ألف دولار، و14 مؤسسة في التنمية الحيوانية وتحسين السلالات، و12 في مجال الصيد والسمك، و14 مشروعًا في ميدان المداجن، و14 في الزراعة والتنمية الحضرية، ومئات المشاريع الأخرى الفردية التي توفر فرص عمل كثيرة للمواطنين عموما والنساء خصوصا".

 

في مجال التعدين

وأصيبت سيدات الأعمال الموريتانيات بحمّى الذهب أخيرًا، فالتحقت مئات منهن بعشرات الآلاف من الرجال الحالمين بالثراء من صحراء موريتانيا الشمالية.

تملك السالكة، وهي إحدى المستثمرات في مجال التنقيب عن الذهب، مع شريكاتها 3 آبار في منجم التماي الذي افتتح أخيرا، يشتغل فيها 45 عاملا، وتسافر أسبوعيا لتفقد سير العمل فيها وتقييم إنتاجها.

تقول السالكة -للجزيرة نت- إنها لم تتوقع أن تجد أمامها عشرات النساء المستثمرات في التنقيب عن الذهب "في هذه الظروف القاسية على الرجال، فما بالك على النساء؟"، وتضيف أنها فوجئت أكثر عندما أكدت لها شركة معادن أن 300 امرأة ناشطة الآن في المنجم الأهلي وحده، المُفتَتح حديثًا.

وتشير إلى أنها عانت مما سمتها "عنصرية" رجال الأعمال المستثمرين في الذهب، إذ واجهوها وزميلاتها بالسخرية والتثبيط، مشككين في قدراتهن على الاستمرار في هذا الميدان الشاق.

 

في التجارة الإلكترونية

ومع التحديات التي تعيشها الطالبات وربات البيوت، جراء ضيق الوقت والفرص والعادات التي تعيق تنمية المرأة، وجدت نساء موريتانيات في التجارة الإلكترونية متنفّسًا جديدًا لجأن إليه لتحسين وضعهن المالي والاقتصادي.

مريم عبد الرحمن، طالبة ماجستير في ريادة الأعمال بجامعة نواكشوط وتعمل بالتجارة الإلكترونية، تقول للجزيرة نت إن ظروفها الدراسية والاجتماعية تمنعها من فتح متجر والعمل خارج المنزل، لذلك قرّرت منذ 3 سنوات مواصلة الدراسة والعمل اعتمادا على التجارة الإلكترونية.

فتحت مريم حسابات في مواقع إلكترونية عالمية متخصصة في التجارة والتسوّق، مثل "أمازون" الأميركي و"شي إن" و"علي بابا" الصينيين، وأصبحت وسيطا بين التاجرات وهذه المواقع، وتجني من ذلك أرباحا معتبرة تغطي حاجاتها وتساعدها في تلبية متطلبات أسرتها.

وتعرض مريم خدماتها على وسائل التواصل الاجتماعي مثل واتساب وتيك توك وفيسبوك وسناب شات، وتستقبل عشرات الطلبات يوميا بالتجزئة والجملة، وتجمعها وتقدّمها إلى الموقع وتدفع ثمنها لتصل إليها في مدة أقصاها 3 أسابيع.

 

تحديات العمل بالتجارة

تكمن مشكلة المرأة الموريتانية في ندرة التمويل وغيابها عن المناصب المهمة والأعمال التجارية العملاقة والمقاولات والصفقات الضخمة، التي دائمًا ما يستأثر بها الرجال.

لهذا تشكو فاطمة سيد محمد الفيل عدم تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في البلاد. فالمرأة الموريتانية، حسب تعبيرها، "لا يوازي رأس مالها رأس مال الرجل، وذلك يجعل المنافسة في سوق العمل غير متكافئة، فضلًا عن الفرص المتاحة وطريقة الولوج إلى القروض والصفقات. كلها عوائق تحول دون وصول السيدات إلى المرحلة التي وصل إليها رجال الأعمال".

وتقول فاطمة للجزيرة نت "أكبر تحد هو أننا ننافس الرجل الذي سبقنا إلى الميدان منذ 60 سنة، عندما كان دور المرأة محدودًا ولا يزال حتى الآن، إذ لا وجود لهن في المكتب التنفيذي لاتحاد أرباب العمل الموريتانيين".

ومن أجل التغلب على هذه التحديات، يعمل "المجلس الموريتاني لسيدات الأعمال" وعشرات المنظمات النسوية الناشطة في البلاد مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية والاتحاد الأوروبي على تنظيم معارض تجارية سنوية ثابتة، بحيث يكون للمرأة فيها دور محوري، وتطور مهاراتها في التسيير وطريقة إنشاء المشاريع وإعداد الدراسات للحصول على التمويل.

وتطالب نساء موريتانيا بإشراكهن الفعلي في الصفقات والقروض، ومنحهن التسهيلات الممنوحة للرجال، خصوصا في ما يتعلق بإنشاء البنوك، إذ لا توجد حتى الآن امرأة واحدة تملك مصرفًا في البلاد، بينما مُنحت التسهيلات في هذا المجال لعشرات الرجال.

 

المصدر : الجزيرة

 

تنبيه الصورة : فاطمة سيد محمد الفيل: أكبر تحد هو أننا ننافس الرجل الذي سبقنا إلى الميدان منذ 60 سنة (الجزيرة)

جديد الأخبار