لمّا تُدبّر "الأيادي الأجنبية" انقلابا كرويا في إفريقيا!

أربعاء, 27/12/2017 - 10:53

اقتربت سنة 2017 من إسدال ستارها، بِما حملته من أحداث رياضية سارّة ومنطقية، وسيّئة ومفاجئة. بعضها صنع الإستثناء وبعضها الآخر سيترك بصمة قوية يُصعب محوها مستقبلا.

بعيدا عن السرد "الكلاسيكي" والإستعراض "الميكانيكي" وربط الأحداث بِتسلسل زمني، سنحاول التطرّق لأبرز معالم سنة 2017 الرياضية، مع التركيز على اللعبة الأكثر شعبية في العالم بِرمّته.

"ربيع إفريقي" بِدعم أجنبي

غرق "فرعون" الكرة الإفريقية عيسى حياتو رئيس "الكاف" في الـ 10 من مارس الماضي، بِوادي النيل وأرض الحبشة (إثيوبيا) تحديدا. لِيُطوى عصر بؤس اللعبة في القارة السمراء، بعد 29 سنة حكم فيها المسؤول الكاميروني الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، بِقبضة من حديد ونار. وخلفه أحمد أحمد من مدغشقر، مُعلنا ميلاد فجر جديد.

استبشر الأفارقة خيرا بِنتائج مؤتمر أديس أبابا، لكن الأمل سرعان  ما تحوّل إلى كابوس، خاصة وأن "الربيع الإفريقي" الذي جاء بِالمسؤول الملغاشي إلى سدّة الحكم، كان بِدعم أجنبي قوي جدا، مُمثّل في رئيس الفيفا جياني أنفونتينو، الذي سدّد دينا قديما للكاميروني حياتو، بعد تحالف هذا الأخير مع البحريني سلمان بن ابراهيم رئيس الإتحاد الآسيوي لكرة القدم، للفوز بِإنتخابات رئاسة الفيفا أواخر فيفري 2016، ووقفا حائلا دون اعتلاء جياني أنفونتينو سدّة الحكم.

ولعلّ من أقوى ما يدعو إلى التشاؤم وبقاء دار لقمان على حالها، هو استمرار لعبة "توريث المناصب" داخل بيت "الكاف"، و"توزيع الورود"، والتسيير بِذهنية "ذاكرة الفيل" (الحقد الدفين)، وهي علامات قد تدفن أحمد أحمد مبكّرا، لِأن الفساد أبدا ما كان دواءً للإستبداد.

"الجيرمان" أوفياء لِتقاليدهم

أثبتت بطولة كأس القارات التي انتظمت بِروسيا صيف 2017، أن منتخب ألمانيا رجل الإستحقاقات الكبرى وليس "ضيف شرف" أو حتى "أشعب"، بعدما حصد اللقب متغلّبا على الشيلي بِنتيجة (1-0) في المباراة النهائية (اضغط على لفظ YouTube أسفل الشاشة يمينا، في الرابط الإلكتروني المُدرج أدناه).

وزيّن منتخب "المانشافت" رفوف خزانته بِتتويج آخر، يُضاف إلى 4 كؤوس عالمية وثلاثة ألقاب أوروبية. ما يُؤكد عراقة وقوّة المدرسة "الجيرمانية".

ولا يملك اتحاد ألمانيا لكرة القدم فرقا باهرة للفئات الصغرى، كما لا يحوز بطولة تنافسية مثل الدوري الإنجليزي أو الإسباني، ولكن يولي عناية فائقة لِمنتخب الأكابر، الذي يحضر بِإنتظام، ويُعوّد أنصاره على الذهاب بعيدا في كل دورة.

ويضع النقاد وخبراء اللعبة تشكيل الناخب الوطني يواكيم لوف، على رأس قائمة المرشحين للتتويح بِكأس العالم نسخة روسيا صيف 2018، المُرادف للإحتفاظ بِلقبه العالمي.

 

غياب "العريس" عن حفل الزفاف!

تعرّضت الكرة الإيطالية بحر نوفمبر الماضي إلى ضربة موجعة جدا، بعد إقصاء منتخب هذا البلد من حضور فعاليات مونديال روسيا 2018. في سيناريو أسود لم يتكرّر منذ 60 خلت، لمّا فشل "الأتزوري" في التأهّل إلى مونديال السويد 1958.

وعجز منتخب إيطاليا عن افتكاك بطاقة التأهّل في دور المجموعات، واضطرّ إلى خوض مواجهتَي السد، قبل أن ينهار أمام السويد، إثر خسارته ذهابا بعيدا عن الديار (0-1)، وتعادله سلبا بِميدانه في لقاء الإياب.

ومنذ إحرازه كأس العالم نسخة ألمانيا 2006، سقط منتخب إيطاليا في وحل النتائج السلبية، رغم تنشيطه نهائي "أورو" 2012، وإحرازه المركز الثالث في كأس القارات 2013.

وتراوح تفسير نكسة منتخب بلاد الروم، بين الإعتماد على تقني هرم لا يملك نتائج كبيرة في مشواره التدريبي، والأمر يتعلّق بِالإطار الفني المحلي جامبييرو فينتورا (69 سنة). وبين الإصرار على التمسّك بِفلسفة كروية تقليدية، يزعم البعض أن الزمن تجاوزها، وبات التجديد أمرا أكثر من ضرورة.

وبين هذا الرأي وذاك، تبقى عدم مشاركة منتخب إيطاليا في محفل روسيا الكروي، مثل غياب العريس يوم زفافه! خاصة إذا علمنا أن فريق "لا سكوادرا أتزورا" يجمع في رصيده 4 كؤوس عالمية، ولقبا أوروبيا.

كرة وسياسة

أصبح نجم الهجوم البرازيلي نيمار صاحب أكبر صفقة انتقال في العالم، بعد أن انتدبته إدارة نادي باريس سان جيرمان الفرنسي مطلع أوت الماضي بِمبلغ فلكي قيمته 222 مليون أورو، سدّدتها لِنظيرتها من برشلونة الإسباني.

وحاولت إدارة النادي الكتالوني "تكبيل" نيمار، حتى يبقى داخل أسوار "كامب نو"، ولكن القطريين - الذي يملكون أسهم البي آس جي" - استعرضوا بذخهم الفاحش، وقدّموا غلافا ماليا ضخما جدا وغير مسبوق في سوق الإنتقالات، اخترقوا من خلاله حاجز الشرط الجزائي الذي نصبه مسيّرو "البارصا" حتى لا "يهرب" نيمار.

ويعتقد كثير من أهل الإختصاص أن نيمار لا يستحق القيمة المالية "التاريخية"التي أُنفقت لِجلبه، ولكن مالم يتطرّق إليه هؤلاء النقاد أن صفقة التحويل جاءت في ظرف سياسي حسّاس جدا مرّت به قطر، بعد الحصار الذي تعرّضت له من بلدان عربية مجاورة، عقب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المشرق العربي والكيان الصهيوني أواخر ماي الماضي.

ووجّه القطريون رسالة واحدة إلى "خصومهم" في المنطقة، فحواها أن العالم سيربط أكبر صفقة كروية بِالدوحة، مثلما سيقترن إسم أول بلد عربي يحتضن مونديال اللعبة الشعبية العالمية بِقطر.

وإذا كان دونالد ترامب قد زار السعودية وحلبها وأخذ الجمل بِما حمل، فإن الكرتَين الفرنسية والإسبانية هما أكبر مستفيد ماليا وتجاريا من أموال قطر. فهل يستفيق عرب الشرق الأوسط، أم يشتهون تأدية هذا الأدوار المثيرة للتقزّز؟!

"السيّد" زيدان

فشل كل "مشعوذ" أو قارئ فنجان في توقعاته السلبية، بِشأن بداية التقني الفرنسي ذي الأصول الجزائرية زين زيدان، الذي أنهى عام 2017 بِثامن تتويج له مع فريق ريال مدريد الإسباني، بعد عامَين فقط من بداية عمله في منصب مدرب رئيس لِفريق من فئة الأكابر، فضلا عن جائزة أحسن مدرب في العالم لِعام 2017.

وإذا كان زيدان قد تسلّح بِرصيده كأسطورة كروية ولاعبا مُميّزا، ودخوله معاهد التكوين طويل الأمد لِنيل الشهادات العلمية المطلوبة في المجال. فإن "زيزو" أثبت أن الكرة ليست علما دقيقا، فكم من مدرب يُشار إليه بِالبنان، ينام على إخفاق ويستيقظ على نكسة، رغم توفّر الإمكانيات المادية والبشرية والفنية، والأمثلة كثيرة لا يتّسع المقام للتفصيل فيها.

ويسير زيدان بِخطى ثابتة نحو تبديد انطباع رائج، فحواه أنه ليس كل لاعب كبير مدرب ناجح بِالضرورة، لِيُبرهن أنه يُمكن الجمع بين هذا وذاك، أسوة بِالألماني فرانز بيكنباور، والهولندي الراحل يوهان كرويف.

مسلسل "رونالدو- ميسي" اللاتيني لن ينتهي

واصل النجم الكروي البرتغالي كريستيانو رونالدو عام 2017 تألّقه والتحق بِركب غريمه التقليدي الأرجنتيني ليونيل ميسي، بعد أن نال إبن جزيرة ماديرا مطلع شهر ديسمبر الكرة الذهبية الخامسة، مُعادلا رقم "البرغوث".

ومثل ميسي، حافظ رونالدو على وهجه وإبداعه، خاصة من ناحية غزارة التهديف، والمساهمة في انتصارات فريقه ريال مدريد الإسباني.

ولكن بعيدا عن حرارة الملاعب وحماس الجماهير، يحمل سجل رونالدو وميسي الأبيض بقعا سوداء، لطّخها حبر التهرّب الضريبي. وهو شجرة قد تخفي غابة من الفساد، خاصة وأن ثروات النجوم عادة ما يلفّها كثير من الضباب المُلَوَّثِ.

قطار جامايكا توقف في لندن

ودّع العدّاء الجامايكي الخرافي يوسين بولت صيف 2017 مضامير ألعاب القوى، وأعلن اعتزاله المنافسة، بعد أعوام من الإنتصارات المُذهلة والإبهار والفرجة.

وجاءت نهاية بولت (31 سنة)، بعد مشاركته في بطولة العالم لِألعاب القوى بِالعاصمة البريطانية لندن، شهر أوت الماضي.

وحلّ العدّاء الجامايكي في استحقاق لندن ثالثا - على غير العادة - في سباق الـ 100م، ثم سقط أرضا في سباق الـ 100 م تتابع 4 مرّات، مُتأثّرا بِإصابة على مستوى الفخذ اليسرى.

وبعد مسيرة حافلة بِالنجاحات، مُرادفة لـ : 8 ميداليات ذهبية أولمبية، و11 أخرى من نفس المعدن النفيس في بطولة العالم، وغيرها من التتويجات الكبيرة والأرقام القياسية العالمية، توقف قطار الجامايكي يوسين بولت في محطة لندن، مُعلنا نهاية رحلة فيها كثير من التضحية والتشويق.

 

تتصدّر منافسة كأس العالم بِروسيا الصيف المقبل، واجهة الأحداث الرياضية العالمية للسنة الميلادية الجديدة 2018، وحينها سيُشارك العرب بِأربعة منتخبات: السعودية ومصر وتونس والمغرب، في حدث استثنائي، من أجل تكرار مأثرة الجزائر في نسخة البرازيل 2014 أو حتى تجاوزها، أو العودة بِخفي حنين. وإلى أن يحين موعد المحفل الروسي، يبقى "السوسبانس" يُخيّم فوق أجواء المنتخبات المشاركة، بِسبب التخوّف من الإصابات الخطيرة، وعودة بعض المظاهر القديمة والسلبية مثل مشكل المنح والتحضير السيّئ والتدخل في تحديد قائمة اللاعبين، وحوادث أخرى قد تُؤثّر سلبا على المشاركة في نهائيات كأس العالم.

الشروق الرياضي: علي بهلولي

جديد الأخبار